للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم علل ما سلف بقوله: {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ} وفضله بالنبوة، وما يتبعها من وحي وكتاب ينزل {خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}؛ أي: مما يجمع هؤلاء الكفار من حطام الدنيا الدنية الفانية، فالدنيا على شفا جرف هار، ومظاهرها فانية لا قيمة لها، فهو قد أغدقها على الدواب والأنعام، وكثير من جهلة بني آدم، والعظيم من رزق من تلك الرحمة العظيمة، لا مما يجمعون من الدنيء الحقير، يظنون أن العظمة به.

وفيه (١): إشارة إلى أن الله يعطي الفقير من فقراء البلد، لا يؤبه به ما لا يعطي لعلمائه، وأفاضله من حقائق القرآن، وأسراره، فإن قسمة العلم والمعرفة بيده سبحانه، كقسمة النبوة والرسالة، فما لا يحصل بالدرس قد يحصل بالوهب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. قوله: {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ} ترسم (٢) هذه التاء مجرورةً في الموضعين من هذه السورة، اتباعًا لرسم مصحف الإمام عثمان - رضي الله عنه -، وكذا ترسم مجرورةً في سورة الأعراف في قوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، وفي سورة الروم في قوله: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} وفي سورة هود في قوله: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}، وفي سورة مريم في قوله: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ}، وفي البقرة في قوله: {أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ}، وفيما عدا هذه السبعة المواضع، ترسم مربوطةً على صورة الهاء، وأبو عمرو وابن كثير والكسائي يقفون عليها بالهاء كسائر الهاءات الداخلة على الأسماء، كفاطمة وقائمة، وهي لغة قريش، والباقون يقفون عليها بالتاء تغليبًا لجانب الرسم، وهي لغة طيء.

٣٣ - ثم بين الله سبحانه وتعالى، حقارة الدنيا وخستها بقوله: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} وهنا لا بد (٣) من تقدير مضاف، فإن لولا لانتفاء الثاني، لوجود الأول، ولا تحقق لمدلول لولا ظاهرًا؛ أي: ولولا كراهة أن يرغب الناس في الكفر، إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم لحبهم الدنيا، وتوهم أن ذلك لفضيلة


(١) روح البيان.
(٢) الفتوحات.
(٣) روح البيان.