للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سهامه" فالأوّل: هو العالم غير العامل، والثاني: هو العالم العامل الذي يُؤثِّر كلامه في القلوِب، وتُنْتِج كلمته ثمراتِ الحكمَة، والعبرةَ، والفكرةَ.

ومعنى الآية (١): أيْ: إنّه حين جاء النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بكتابٍ مصدِّقٍ للتوراة التي بين أيديهم بما فيه من أصول التوحيد، وقواعد التشريع، وروائع الحكم والمواعظ، وأخبار الأمم الغابرة، نبذ فريقٌ من اليهود كتابهم وهو التوراة؛ لأنّهم حين كفروا بالرسول المصدِّق لما معهم، فقد نبذوا التوراة التي فيها أنَّ محمد رسول الله، وأهملوها إهمالًا تامًّا كأنَّهم لا يعلمون أنها من عند الله تعالى، وقد جعل تركهم إيَّاها، وإنكارهم لها إلقاءً لها وراء الظهر؛ لأنَّ من يلقي الشيء وراء ظهره لا يراه فلا يتذكَّره.

فعلى العاقل (٢): أن يسارع إلى الامتثال خوفًا مِنْ بطشِ يدِ ذي الجلال، ويقال: الندامةُ أربعٌ: ندامةُ يومٍ: وهي أنْ يَخْرُج الرجلُ من منزله قبل أن يتغدَّى، وندامةُ سنة: وهي تَرْكُ الزراعة في وقتها، وندامةُ عُمْر: وهو أن يتزوَّج امرأة غير موافقة، وندامةُ الأبَدِ: وهي أن يترك أَمْرَ الله، ومجرَّدُ قراءة الكتاب بِترْياقِ الظاهر لا يدفع سُمَّ الباطن، فلا بدّ من العمل بما علم، كما أنَّ من كان ينظر إلى كُتُب الطبّ، وكان مريضًا، فما دام لم يباشر العلاج لا يفيد نظره بالأدوية، وكان خُلقه - صلى الله عليه وسلم -: القرآن؛ يعني: يعملُ بأوامره، وينتهي عن نواهيه. وقال السدي (٣) لمَّا جاءهم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - خاصموه بالتوراة، فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة لموافقة القرآن لها، وأخذوا بكتابِ آصفِ بن بَرْخِيَا، وسِحْر هاروت وماروت، فلم يوافق ذلك القرآن، كما قال تعالى:

١٠٢ - {وَاتَّبَعُوا} معطوف على نَبَذ؛ أي: ولمَّا جاءهم كتاب مِنْ عند الله، نبذ فريق من أهل الكتاب كتاب الله وراءَ ظهورهم واتَّبعوا؛ أي: واتبع أولئك الفريق؛ يعني: علماءَهم وأحبارَهم {مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ}؛ أي: تَلَتْهُ الشياطين وقرأَتْهُ، والإتيان (٤) بصيغة المضارع في تَتْلُوا؛


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
(٤) روح البيان.