للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لحكاية الحال الماضية، والمراد بالاتِّباع: التوغُّل والتمحُّض فيه، والإقبالُ عليه بالكلّية. وقرأ الحسن (١)، والضحَّاك: {الشياطون} بالرفع بالواو وهو شاذٌّ، قاسه على قول - العرب: بستان فلانٍ حوله بساتون، رواه الأصمعي، قالوا: والصحيح: أنَّ هذا لحنٌ فاحشٌ، وقال أبو البقاء: شبَّه فيه الياء قبل النون بياء جمع الصحيح، وهو قريبٌ من الغلط، وقال السَّجَاوَنْدِيُّ: خَطَّأَهُ الخَازَرَبَجِيُّ.

أي: واتَّبعوا ما كانت الشياطين تتلوه وتقرؤه {عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} بن داود عليهما السلام؛ أي: في عهده وزمان ملكه من السحر، وتكذيبه على سليمان، والكلام على حذف مضاف، وعَلَى بمعنى: في، وكانت الشياطين دفنتهُ تحت كرسيه لمَّا نُزِع ملكه، فلم يشعر بذلك سليمان، فلمَّا مات استخرجوه، وقالوا للناس: إنّما مَلككم سليمان بهذا، فتعلَّموه، وأقبلوا على تعلُّمه، ورفضوا كتب أنبيائهم، وفشَتْ الملامةُ على سليمان، فلم تزل هذه حالَهم حتى بعث الله تعالى محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عليه براءةَ سليمان، فقال: وما كفر سليمان الخ.

قال السديُّ (٢): كانت الشياطين تصعد إلى السماء، فيسمعون كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت، وغيره، ويأتون الكهنة ويُخلِّطون بما سمعوا في كُلِّ كلمة سبعين كذبةً، ويخبرونهم بها، فاكتتبت الناس ذلك، وفشا في بني إسرائيل: أنَّ الجنّ تعلم الغيب، وبعث سليمان في الناس، وجمع تلك الكتب، وجعلها في صندوق، ودفنه تحت كرسيه، وقال: لا أسمع أحدًا يقول: إنّ الشيطان يعلم الغيب إلّا ضرَبْتُ عنقهَ، فلما مات سليمان، وذهب العلماء الذين كانوا يعرفون أَمْرَ سليمان، ودَفْنَه الكُتبَ، وخَلفَ من بعدهم خلفٌ تمثَّل الشيطان على صورة إنسان، فأتى نفرًا من بني إسرائيل، فقال: هل أدلُّكم على كنزٍ تأكلونه أبدًا؟ قالوا: نعم، قال: تحت الكرسي، وذهب معهم، فأراهم المكان، وقام ناحيةً، فقالوا: ادْنُ، قال: لا ولكني ها هنا، فإِنْ لم تجدوه، فاقتلوني، وذلك أنَّه


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.