للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لم يكن أحدٌ من الشياطين يَدْنُو من الكرسي إلّا احترق، فحفروا، وأخرجوا تلك الكتب، قال الشيطان: إنّ سليمان كان يضبط الجنَّ، والإنس، والشياطين، والطير بهذه، ثمّ - طار الشيطان، وفشا في الناس أنَّ سليمان كان ساحرًا، وأخذ بنو إسرائيل تلك الكُتب، فلذا أكثر ما يُوجَدُ السحرُ في اليهود، فلمَّا جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - بَرَّأَ الله سليمان عليه السلام من ذلك، وأنزل عُذْر سليمان، بقوله واتبعوا ما تتلوا الشياطين في زمن ملك سليمان {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} بالسحر وعمله؛ يعني: لم يكن ساحرًا؛ لأنَّ الساحر كافرٌ، والتعرُّض لكونه كفرًا؛ للمبالغة في إظهار نزاهته عليه السلام، وكذب باهتيه بذلك.

أي: ما كتب سليمان السحر، وما عمل به؛ لأنّ عمل السحر كفر في شريعته، وأمّا في شريعتنا (١)، فإن اعتقد فاعله حِل استعماله كَفَر، وإلّا فلا، وأمّا تعلّمه، فإن كان ليعمل به فحرام، أو ليتوقّاه فمباح أولًا، ولا، فمكروه، والسحرُ (٢): كُلُّ ما دَقَّ ولَطُفَ، يقال: سحره إذا أبدى له أمرًا يَدِقُّ عليه، ويَخْفَى. وعرَّفه ابنُ العربي (٣): بأنّه كلام مؤلَّف يُعظَّم به غير الله، وتُنْسَب له المقادير، فعليه فهو كفر، حتى في شَرْعِنا {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} باستعمال السحر، وتعليمِه، وتدوينِه، وِإمّا بتكفيرهم سليمانَ به، ويحتمل كفرهم بغير ذلك، واستعمالُ لكن هنا حَسَنٌ؛ لأنّها بين نفي وإثبات. وقرىء {وَلَكِنَّ} بالتشديد، فيجب إعمالها، وهي قراءة نافع، وعاصم، وابن كثير، وأبي عمرو. وقرىء بتخفيفِ النون، ورفعِ ما بعدها بالابتداء والخبر، وهي قراءة ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وإذا خُففت، فهل يجوز إعمالُها؟ مسألةُ خلافٍ: الجمهورُ على المنع، وقال الكسائي، والفراء: الاختيارُ التشديد إذا كان قبلها واو، والتخفيف إذا لم يكن معها واو؛ ذلك لأنّها مخفّفة تكون عاطفة، ولا تحتاجُ إلى واو كبَلْ، وإذا كانت قبلها واوٌ لم تشبه بل؛ لأنَّ بل لا تدخل عليها الواو،


(١) المراح.
(٢) الفتوحات.
(٣) الصاوي.