للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأنبياء كان إذا كَذَّبه قومه خَرجَ من بين أظهرهم، وأتى مكة يَعْبُدُ اللَّهَ تعالى حتى يموتَ وقد وَرَد "ما بين الركن اليماني، والركن الأسود رَوْضَةٌ مِنْ رياض الجنة، وإنَّ قَبْرَ هود وشعيبٌ وصالح وإسماعيل عليهم السلام في تلك البقعة".

٥٩ - {وَتِلْكَ} القَبِيلَة التي كذبت هودًا فأهلكْناهم، والخطابُ لقوم محمَّد - صلى الله عليه وسلم - {عاد}؛ أي: قبيلة تسمَّى عادًا بالصرف، قال الكسائي؛ إنَّ من العرب من لا يصرف عادًا، ويجعلُه اسمًا للقبيلة {جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ}؛ أي: كفروا بها، وكذَّبوها، وأنكروا المعجزات {وَعَصَوْا رُسُلَهُ} تعالى، هودًا وَحْدَه؛ لأنه لم يكن في عصره رسول سواه، وإنما جَمَع هنا؛ لأنَّ مَنْ كَذَّب رسولًا فقد كَذَّب جميعَ الرسل، لاتفاق كلمتهم على التوحيد، وأُصول الشرائع، وقيل: إنهم عصوا هودًا ومَنْ كان قَبْلَه من الرسل أو كانوا بحيثُ لو بَعَث الله إليهم رُسُلًا متعددين .. لكذَّبُوهم.

وهذا الجحودُ والعصيانُ شامل لكل فرد منهم؛ أي: لرؤسائهم وأسافلتهم، {وَاتَّبَعُوا}؛ أي: الأسافِلُ {أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ}؛ أي: أمر كل شخص متعظم في نفسه، متكبر على العباد {عَنِيدٍ}؛ أي: كثير العناد، والمعارضة للحق، أي: واتبع السفلة أمْرَ رؤسائهم الدُّعاةِ إلى الضلال، وإلى تكذيب الرسل، والمعنى: عَصَوْا مَنْ دعاهم إلى الإيمان, وما يُنْجِيهم، وأطاعُوا مَنْ دعاهم إلى الكفر، وما يُرْدِيهم، وقال في "التبيان": الجبار المتعظم في نفسه، المتكبر على العباد، والعنيد الذي لا يقول الحقَّ، ولا يقبَله

٦٠ - {وَاتَّبَعُوا}؛ أي: أتبع الرؤساءُ والمرؤوسون منهم، وأرْدِفوا {فِي هَذِهِ} الدار {الدُّنْيَا لَعْنَةً} تَتْبَعُهم، وتلحقهم وتنصرف معهم؛ أي: أتبعوا كلهم في الدنيا إبعادًا، وطردًا عن الرحمة، وعن كل خير على لسان الأنبياء، فما جاء نَبِيٌّ بَعْدَهم إلَّا لعنهم؛ أي: جُعلت (١) اللعنة من الناس تابعةً لهم، ولازمة تكبهم في العذاب كَمَنْ يأتي خَلْفَ شخص فيدفعه من خلف، فيكبُّهَ، وإنما عبَّر عن لزوم اللعنة لهم بالتبعية للمَبَالغَةِ، فكأنها لا تفارقهم، وإن ذَهَبوا كلّ


(١) روح البيان.