أحد لهلك كل كافر وعاص عقب كفره وفجوره {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ}.
وقرأ زيد بن علي والحسن وطاووس وعمرو بن فائد (١): {من أساء} - بالسين المهملة - فعل ماض من الإساءة، وقال أبو عمرو الداني: لا تصح هذه القراءة عن الحسن وطاووس، وعمرو بن فائد رجل سوء، وقرأ بها سفيان بن عينية مرة واستحسنها، فقام إليه عبد الرحمن المقري، وصاح به وأسمعه، فقال سفيان: لم أدر ولم أفطن لما يقول أهل البدع.
ثم ذكر من ستكتب لهم الرحمة فقال:{فَسَأَكْتُبُها}؛ أي: فسأكتب رحمتي، وأثبتها وأقدرها وأقضيها بمشيئتي في الآخرة خاصة {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الكفر والمعاصي {وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ}؛ أي: المفروضة؛ أي: يعطون زكاة أموالهم وصدقاتها التي تتزكى بها أنفسهم، وخص الزكاة بالذكر دون ما عداها من الطاعات لأن النفوس شحيحة، ففتنته تقتضي أن يكون المانعون للزكاة أكثر من التاركين غيرها من الطاعات، كما إنّ في ذلك إيماء إلى أنّ اليهود أشربوا في قلوبهم حب المال، وفتنوا بجمعه ومنع بذله في سبيل الله {وَ} سأكتبها لـ {وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا}؛ أي: بدلائل وحدانيتنا وقدرتنا، وصدق رسلنا {يُؤْمِنُونَ}؛ أي: يصدقون تصديق إيقان مبني على العلم الصحيح، دون تقليد للآباء والأجداد.
١٥٧ - ثم بين الله سبحانه وتعالى هؤلاء الذين كتب لهم هذه الرحمة، ببيان أوضح مما قبله وأصرح فقال:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ} نعت {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} أو بدل منه، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره: هم الذين يتمسكون دين الرسول الكريم ويتبعون {النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} محمدا صلى الله عليه وسلّم؛ أي: الذي لم يمارس القراءة والكتابة، ومع ذلك جمع علوم الأولين والآخرين، فخرجت اليهود والنصارى وسائر الملل، والأمي إما نسبة إلى الأمة الأمية التي لا تكتب ولا تحسب - وهم العرب - أو نسبة إلى الأم، والمعنى: إنه باق على حالته التي ولد عليها، لا يكتب ولا يقرأ