للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كانوا يقصدون السعي في الأرض للفساد، ويحاولون الكيد للمؤمنين، ومنع اجتماع كلمة العرب، ويودون أن لا يخرجوا من الأمية إلى العلم والعرفان، ولا من الوثنية إلى التوحيد حسدًا لهم، وحبًّا في دوام امتيازهم عنهم {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} في الأرض بل يبغضهم ويعاقبهم، ومن ثم لا ينجح سعيهم ولا يصلح عملهم لأنهم يريدون أن يبطلوا حكمته تعالى في صلاح الناس وعمران البلاد.

ومن ثم أبطل سبحانه وتعالى كل ما كاده أولئك القوم للنبي - صلى الله عليه وسلم - والعرب والإِسلام، وأصلح بالإِسلام ما كانوا خربوه من البلاد، ونصر المسلمين على كل من ناوأهم، وكذلك هم تركوا التوراة والإنجيل، وهما قد أنزلا لهداية الناس إلى الصلاح والإصلاح، فزال ملكهم وسلط الله عليهم غيرهم. قال قتادة: لا تلقى اليهود ببلدة إلا وجدتهم من أذل الناس فيها،

٦٥ - وهم أبغض خلق الله إليه ثم ندمهم على سوء أعمالهم فقال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ} اليهود والنصارى {آمَنُوا} باللهِ وبرسوله محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به {وَاتَّقَوْا} ما كانوا يتعاطونه من المآثم والمحارم، أو اجتنبوا من اليهودية والنصرانية {لَكَفَّرْنَا} وسترنا {عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} وذنوبهم التي اقترفوها وعملوها قبل الإِسلام، ومحوناها عنهم ولم نفضحهم بها, لأن الإِسلام يجب ما قبله، {وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}؛ أي: ولأدخلناهم مع سائر المسلمين في الآخرة بساتين يتنعمون بها مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فالكتابي لا يدخل الجنة ولا يرفع عنه العقاب ما لم يسلم، والإِسلام يجبّ ما قبله كما مرّ آنفًا.

وفي ذلك إعلام (١) من الله سبحانه وتعالى بعظم معاصي اليهود والنصارى، وكثرة سيئاتهم، ودلالة على سعة رحمته، وفتحه باب التوبة لكل عاصٍ، وإن عظمت معاصيه، وبلغت مبلغ سيئات اليهود والنصارى، وإخبارها بأن الإيمان لا ينجي إلا إذا شفع وقرن بالتقوى، ومن ثم قال الحسن: هذا العمود فأين الأطناب.

٦٦ - {وَلَوْ أَنَّهُمْ}؛ أي: أن أهل الكتاب {أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} يعني (٢): أقاموا أحكامهما، بإذاعة ما فيهما وعملوا بما فيهما من الوفاء بالعهود، والتصديق


(١) المراغي.
(٢) الخازن.