من الفواحش، كما اتبعته تلك الطائفة، التي تقول للرسول - صلى الله عليه وسلم -: طاعة لك، وتبيت غير ذلك، والتي تذيع أمر الأمن والخوف، وتفسد على الأمة سياستها، ولأخذتم بآراء المنافقين فيما تأتون وما تذرون، ولم تهتدوا إلى الصواب إلا قليلًا منكم ممن استنارت عقولهم بنور الإيمان، وعرفوا الأحكام بالاقتباس من مشكاة النبوة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم -، فهي كقوله تعالى:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}.
٨٤ - والفاء في قوله:{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا أردت يا محمد الفوز والظفر على الأعداء .. فقاتل في سبيل الله؛ أي: جاهد في طاعة الله تعالى لإعلاء كلمته امتثالًا لأمره، وأنت {لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ}؛ أي: لا تكلف إلا أفعال نفسك، ولا تطالب إلا بها دون أفعال الذين قالوا:{رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ}، والذين يقولون لك طاعة ويبيتون غير ذلك، فمن أطاع الله تعالى لا يضيره عصيان من عصاه، والمعنى: قاتل في سبيل الله ولا تنظر لكسلهم، حال كونك غير مكلف إلا نفسك، فلا يضرك مخالفتهم وتقاعدهم عن القتال، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحرب لا يتغير وجهه أبدًا، بل كان يبتسم إذ ذاك، ولا يكترث بملاقاة الأعداء، وكان من خصائصه إذا بدأ بالحرب لا يرجع حتى يحكم الله تعالى بينه وبين عدوه.
وقرأ الجمهور (١): {لَا تُكَلَّفُ} على صيغة الخبر مبنيًّا للمفعول، والجملة في موضع الحال أو مستأنفة، وقرىء:{لا نكلف} بالنون وكسر اللام، ويحتمل وجهي الإعراب الحال والاستئناف، وقرأ عبد الله بن عمر {لا تكلف} بالتاء وفتح اللام والجزم على جواب الأمر.
{وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: وحث يا محمد المؤمنين على الخروج معك للقتال، بذلًا للنصيحة لهم، ورغبهم في الثواب عليه، بذكر الآيات الواردة في فضل الجهاد، فإن تخلفوا بعد ذلك .. فلا يضرونك، وإنما وبالهم على أنفسهم؛