العبر والمواعظ، ولا تؤثر فيهم صروف الدهر وغيره، ومنهم أولئك الأمم الذين أرسل إليهم هؤلاء الأنبياء،
٤٣ - ومن ثَمَّ قال تعالى:{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} إلى آخر ما سيأتي. وفي هذه الآية تسلية للرسول (١) - صلى الله عليه وسلم -، وأن عادة الأمم مع رسلهم التكذيب والمبالغة في قسوة القلوب حتى هم إذا أخذوا بالبلايا .. لا يتذللون لله ولا يسألونه كشفها، وهؤلاء الأمم الذين بعث الله تعالى إليهم الرسل أبلغ انحرافًا، وأشد شكيمةً، وأجلد من الذين بعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ خاطبهم تعالى بقوله:{أَرَأَيْتَكُمْ} الآية، وأخبر أنهم عند الأزمات لا يدعون لكشفها إلا الله تعالى.
وكلمة {لولا} في قوله: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} حرف تحضيض، وهو الطلب بحث وإزعاج؛ أي: فهلا تضرعوا وتذللوا إلينا خاشعين تائبين حين جاءهم بأسنا وعذابنا؛ أي: حين جاءتهم مقدمات العذاب وبوادره، وحذروا عواقبه وأواخره لنكشفه عنهم قبل أن يحيط بهم. {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ}؛ أي: صلبت وصبرت على ملاقاة العذاب لما أراد الله من كفرهم وخذلانهم، فكانت الحجارة أو أشد قسوة، فلم تؤثر فيهم النذر.
وعبارة "الفتوحات" هنا: قوله: {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} استدراك وقع بين الضدين؛ أي: فلم يتضرعوا إليه تعالى برقة القلب والخضوع، ولكن ظهر منهم نقيضه، حيث قست قلوبهم؛ أي: استمرت على ما هي عليه من القساوة، أو ازدادت قساوة اهـ "أبو السعود". فهذا من أحسن مواقع الاستدراك اهـ شيخنا. انتهت.
{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من الكفر والمعاصي؛ أي: فلم يؤمنوا حين جاءهم بأسنا وعذابنا ووسوس إليهم بأن يثبتوا على ما كان عليه أباؤهم، ولا ينقادوا إلى رجال منهم ضعاف الأحلام، سفهاء العقول، لا ميزة لهم عليهم بعقل راجح ولا فكر ثاقب، وقال لهم: إن حال الدنيا هكذا تكون