للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}؛ أي: بحفيظ يحفظ أموركم، وتوكل إليه، وإنما أنا بشير ونذير، أي: وما أنا بموكل من عند الله بأموركم، ولا بمسيطر عليكم فأكرهكم على الإيمان, وأمنعكم بقوتي من الكفر والعصيان، ولا أملك لكم ضرًّا ولا نفعًا، وما أنا إلا رسول مبلغ إليكم أمر ربكم بشير لمن اهتدى، ونذير لمن ضل وغوى، وقد أعذر من أنذر، فلا يجب علي السعي في إيصالكم إلى الثواب.

١٠٩ - ثم أمر الله سبحانه وتعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يتبع ما أوحاه إليه من الأوامر والنواهي التي يشرعها الله تعالى له ولأمته، فقال: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ}؛ أي (١): واتبع أيها الرسول وحي الله الذي أنزله إليك في كتابه، واعمل به وعلمه أمتك. ثم أمره بالصبر على أذى الكفار، وما يلاقيه من مشاق التبليغ وما يعاينه من تلون أخلاق المشركين وتعجرفهم، وجعل ذلك الصبر ممتدًا إلى حكمه بينه وبينهم، فقال: {وَاصْبِرْ} يا محمَّد على ما يصيبك من الأذى والمكاره، وعلى ما ينالك من قومك {حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ}؛ أي: حتى يقضي الله بينك وبين المكذبين لك، وينجز لك ما وعدك؛ أي: حتى يحكم الله سبحانه وتعالى بينك وبينهم، في الدنيا بالنصر لك عليهم، وفي الآخرة بعذابهم بالنار، وهم يشاهدونه، - صلى الله عليه وسلم -، هو وأمته المتبعون له المؤمنون به، العاملون بما يأمرهم به، المنتهون عما ينهاهم عنه، يتقلبون في نعيم الجنة الذي لا ينفد ولا يمكن وصفه، ولا يوقف على أدنى مزاياه.

{وَهُوَ} سبحانه وتعالى {خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}؛ أي: خير القاضين وأعدل الفاصلين، فهو لا يحكم إلا بالحق، وغيره قد يحكم بالباطل، إما لجهله بالحق، أو مخالفته له باتباع الهوى، وقد امتثل رسوله أمر ربه وصبر حتى حكم الله بينه وبين قومه، وأنجز وعده له، - صلى الله عليه وسلم - ولمن اتبعه من المؤمنين, فاستخلفهم في الأرض وجعلهم الأئمة الوارثين ما أقاموا الدين. ولا يخفى ما في هذه الآيات من التسلية لنبيه ووعده للمؤمنين ووعيده للكافرين. وأنشد (٢) بعضهم في الصبر شعرًا فقال:


(١) المراغي.
(٢) المراح.