للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٥٢ - ثم بين لهم أن كل أعمالهم محصاة عليهم، وسيحاسبون على النقير والقطمير فقال: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} من الكفر، والمعاصي، مكتوب على التفصيل {فِي الزُّبُرِ}؛ أي: في ديوان الحفظة. جمع زبور بمعنى الكتاب. فهو بمعنى مزبور، كالكتاب بمعنى المكتوب. أو في اللوح المحفوظ عبر عنه بالجمع تفخيمًا لشأنه؛ أي: جميع ما فعلته الأمم من خير أو شر مكتوب في اللوح المحفوظ، أو في كتب الحفظة.

وقال الغزالي رحمه الله تعالى: كل شيء فعلته الأمم في كتب أنبيائهم المنزلة عليهم، كأفعال كفار زماننا في كتابنا، انتهى.

٥٣ - {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} وحقير، وجليل من الأعمال {مُسْتَطَرٌ}؛ أي: مسطور في اللوح المحفوظ بتفاصيله؛ أي: وكل شيء من أعمال الخلق أقوالهم وأفعالهم مكتوب في اللوح المحفوظ صغيره، وكبيره، جليله، وحقيره.

والمعنى: أي وكل شيء يفعلونه، فيدسون به أنفسهم من الكفر والمعاصي ويدنسونها به من الأرجاس والآثام، فهو مقيد لدى الكرام الكاتبين، كما قال: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)}. فما من صغيرة ولا كبيرة إلا وهي مسطورة في دواوينهم، وصحائف أعمالهم. فليحذروا ما هم عليه قادمون من الحساب العسير على الجليل والحقير {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩)}.

روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالبًا". وقد قيل:

لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الذُّنُوْبِ صَغِيْرَا ... إِنَّ الصَّغِيرَ غَدًا يَعُوْدُ كَبِيْرَا

إِنَّ الصَّغِيرَ وَإنْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ ... عِنْدَ الإلَهِ مُسَطَّرٌ تَسْطِيْرَا

فَأسْأَلْ هِدَايَتَكَ الإِلَهَ فَتَتَّئِدْ ... فَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيْرَا

ولقد أحسن من قال:

خَلِّ الذُّنُوْبَ صَغِيْرَهَا ... وَكَبِيْرَهَا ذَاكَ التُّقَى

وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْ ... ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى