للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اليسير في الصدقات، وبذل المال في المرافق العامة لإصلاح شؤون المجتمع الإِسلاميّ، كسدّ الثغور، وبناء القناطر والجسور.

٣٨ - ثمّ أكد ما سلف وقرّره بقوله: {هَا} حرف تنبيه بمعنى انتبهوا {أَنْتُمْ} كلمة (١) على حدة، وهو مبتدأ، خبره: قوله: {هَؤُلَاءِ}؛ أي: انتبهوا أنتم أيها المخاطبون هؤلاء الموصوفون؛ يعني: في قوله: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا} الآية. {تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. استئناف مقرّر لذلك، حيث دلّ على أنهم يدعون لإنفاق بعض أموالهم في سبيل الله، فيبخل ناس منهم، أو صلة لهؤلاء على أنه بمعنى الذين؛ أي: ها أنتم الذين تدعون، ففيه توبيخ عظيم، وتحقير من شأنهم، والإنفاق في سبيل الله يعمّ نفقة الغزو والزكاة وغيرهما؛ أي: ها أنتم أيها المؤمنون تدعون إلى النفقة في جهاد أعداء الله، ونصرة دينه {فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ} بالرفع، ومنكم من يجود؛ لأنّ من هذه ليست بشرط؛ أي: فمنكم ناس يبخلون، وهو في حيّز الدليل على الشرطية الثانية، كأنه قيل: الدليل عليه أنكم تدعون إلى أداء ربع العشر، فمنكم ناس يبخلون بما يطلب منهم ويدعون إليه من الإنفاق في سبيل الله، وإذا كان منكم من يبخل باليسير من المال .. فكيف لا يبخلون بالكثير: وهو جميع الأموال.

ثم بيّن سبحانه أن ضرر البخل عائد على النفس، فقال: {وَمَنْ يَبْخَلْ} بالجزم؛ لأن {من}: شرطية {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ}؛ أي: بمنعها الأجر والثواب ببخله، فإنّ كلًّا من ضرر البخل، نفع الإنفاق عائد إليه، فإن من يبخل وهو مريض بأجرة الطبيب، وبثمن الدواء .. فلا يبخل إلا على نفسه، والبخل يستعمل بعن وبعلى؛ لتضمّنه معنى الإمساك والتعدّي؛ أي: فإنما يمسك الخير عن نفسه بالبخل {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {الْغَنِيُّ} عنكم وعن صدقاتكم؛ لأنّه الغنيّ عن المطلب المتنزه عن الحاجة دون من عداه {وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} إليه، وإلى ما عنده من الخير والرحمة، فما يأمركم به، فهو لاحتياجكم إلى ما فيه أو


(١) روح البيان.