للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والفاعل: ضمير يعود على الله، {أضغانكم} بالنصب، وهي مروية عن عيسى، إلا أنه فتح الجيم بإضمار أن، فالواو: عاطفة على مصدر متوهّم؛ أي: يكن بخلكم وإخراج أضغانكم، وهذا (١) الذي خيف أن يعتري المؤمنين، هو الذي تقرب به محمد بن مسلمة إلى كعب بن الأشرف، وتوصل به إلى قتله حين قال له: إنّ هذا الرجل قد أكثر علينا، وطلب منّا الأموال.

ومجمل معنى الآيتين: (٢) يقبل الله سبحانه حاضًّا عباده المؤمنين على جهاد أعدائه، والنفقة في سبيله، وبذل مهجتهم في قتال أهل الكفر به: قاتلوا أيّها المؤمنون أعداء الله وأعداءكم من أهل الكفر، ولا تدعكم الرغبة في الحياة إلى ترك قتالهم، فإنما الحياة الدنيا لعب ولهو لا يلبث أن يضمحل ويذهب، إلا ما كان منها من عمل في سبيل الله، وطلب رضاه.

ثم رغّبهم في العمل للآخرة، فقال: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا ...} إلخ؛ أي: وإن تؤمنوا بربكم، وتتقوه حقّ تقاته، فتؤدّوا فرائضه، وتجتنبوا نواهيه .. يؤتكم ثواب أعمالكم، فيعوّضكم عنها ما هو خير لكم يوم فقركم وحاجتكم إلى أعمالكم، وهو لا يأمركم بإخراجها جميعها في الزكاة، وسائر وجوه الطاعات، بل يأمركم بإخراج القليل منها: وهو ربع العشر للزكاة مواساة لإخوانكم الفقراء، ونفع ذلك عائد إليكم.

ثمّ بيّن شحّ الإنسان على ماله، وشدة حرصه عليه، فقال: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا} إلخ؛ أي: إن يسألكم ربكم أموالكم فيجهدكم بالمسألة، ويلحف عليها بطلبها. تبخلوا بها وتمنعوها إياه ضنّا منكم بها، لكنه علم ذلك منكم فلم يسألكموها، فيخرج ذلك السؤال أحقادكم لمزيد حبكم للمال، قال قتادة: قد علم الله سبحانه أنّ في سؤال المال خروج الأضغان للإسلام، من حيث محبّة المال بالجبلة والطبيعة، ومن نوزع في حبيبه .. ظهرت طوّيته التي كان يسرها.

والخلاصة: قد علم الله شحّ الإنسان على المال، فلم يطلب منه إلا النزر


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.