والتدبير اللطيف {لِتَعْلَمُوا}؛ أي: لأجل أن تتفكروا فيه أيها المؤمنون وتعلموا {أَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}؛ أي: يعلم مصالح ما في السموات وما في الأرض الدينية والدنيوية، يعني: أنه تعالى علم في الأزل بمصالح العباد وما يحتاجون إليه، فجعل الكعبة البيت الحرام، والشهر الحرام، والهدي، والقلائد يأمنون بها؛ لأنه يعلم مصالح العباد كما يعلم تفاصيل ما في السموات وما في الأرض. وقوله:{وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} تعميم بعد تخصيص؛ أي: وكيف لا يعلم ذلك، وأن علمه محيط بكل شيء فلا تخفى عليه خافية.
والخلاصة (١): أن ذلك لم يكن إلا لحكمة بالغة صادرة عن علم بخفايا الأمور وغاياتها، فكان دليلًا على أنه سبحانه يعلم ما في السموات وما في الأرض من أسباب الرزق ونظام الخلق وغير ذلك، وأنه عليم بكل شيء فلا تخفى عليه خافية، وقد عجزت جميع الأمم في القديم والحديث عن تأمين الناس في قطر من الأقطار في زمنٍ معين من كل سنة بحيث لا يقع فيه قتل ولا قتال ولا عدوان.
٩٨ - {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}؛ أي: اعلموا أن ربكم الله الذي لا يخفى عليه شيء من سرائر أعمالكم وعلانيتها، وهو محصيها عليكم شديد العقاب والعذاب لمن دنس نفسه بالشرك والفسوق والعصيان. {وَأَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {غَفُورٌ}؛ أي: غفار لمن أناب إليه وتاب عن معاصيه {رَحِيمٌ} لمن أطاعه وحافظ على طاعته، فلا يؤاخذه بما فرط منه قبل الإيمان، ولا بما يعمله من السوء بجهالة إذا بادر إلى التوبة وأصلح عمله، بل يستر ذنبه ويمحوه، فلا يبقى له أثر مع إيمانه وعمله الصالح، كما يستر الماء القليل القذر بما يغمره من الماء النقي الكثير، وفي تقديم العقاب على المغفرة والرحمة إيماءٌ إلى أن العقاب قد ينتهي بالمغفرة والرحمة؛ لأن رحمته تعالى سبقت غضبه، كما ورد في صحيح الحديث، ومن ثم