للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالضم،

١٨٣ - ثم عمم النهي عن البخس في كل حق، فقال: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}؛ أي: ولا تنقصوا الناس حقوقهم في كيل، أو وزن، أو غيرهما، كالمزروعات والمعدودات، كأخذ بيض كبير وإعطاء بيض صغير، وإعطاء رغيف صغير وأخذ رغيف كبير. وهكذا يقال: بخس حقه إذا نقصه إياه؛ وهو تعميم بعد تخصيص. قال في "كشف الأسرار": ذكر بأعم الألفاظ يخاطب به القافلة، والوزان، والنخاس، والمحصي، والصيرفي. انتهى. أي: ولا تنقصوا (١) شيئًا من حقوق الناس، أي حق كان، كنقص العد، والزرع، ودفع الزيف مكان الجيد، والغصب، والسرقة والتصرف بغير إذن صاحبه، ونحو ذلك.

ثم نهاهم عن جرم أعظم شأنًا، وأشد خطرًا؛ وهو الفساد في الأرض بجميع ضروبه وأشكاله، فقال: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ}؛ أي: ولا تعتدوا على الناس في الأرض حالة كونكم {مُفْسِدِينَ}؛ أي: قاصدين الإفساد والظلم بالقتل، والغارة، وقطع الطريق، والسلب والنهب، والغصب، ونحوها. كإهلاك الزرع والنسل، والدعاء إلى عبادة غير الله، فإنهم كانوا يفعلون ذلك.

والعثي (٢): أشد الفساد فيما لا يدرك حسًا. وقوله: {مُفْسِدِينَ} حال مقيدة؛ أي: لا تعتدوا حال إفسادكم، وإنما قيده به وإن غلب العثي في الفساد؛ لأنه قد يكون منه ما ليس بفساد، كمقابلة الظالم المعتدي بفعله، ومنه ما يتضمن صلاحًا راجحًا، كقتل الخضر الغلام، وخرقه السفينة.

١٨٤ - وبعد أن نهاهم عن ذلك خوفهم سطوة الجبار الذي خلقهم، وخلق من قبلهم ممن كانوا أشد منهم بطشًا وعتوًا، فقال: {وَاتَّقُوا} الله {الَّذِي خَلَقَكُمْ} يا أصحاب الأيكة {و} خلق {الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ}؛ أي: الخلائق الماضين الذين كانوا على خلقة عظيمة، وطبيعة غليظة، كقوم هود وقوم لوط. والجبلة: الخليقة، قاله مجاهد وغيره. يعني الأمم المتقدمة؛ أي: وخافوا بأس الذي خلقكم من العدم للإصلاح في الأرض، وخلق من قبلكم ممن كانوا أشد منكم قوة، وأكثر أموالًا،


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.