وكأن الحرورية أخذوا قولهم: لا حكم إلا لله من هذه الآية (١)، وقيل للخوارج: حرورية؛ لتجليتهم بحروراء واجتماعهم فيها، وهي كحلولاء، وقد تقصر، قرية بالكوفة، والخوارج: قوم من زهاد الكوفة خرجوا عن طاعة علي - رضي الله عنه - عند التحكيم بينه وبين معاوية، وذلك أنه لما طالت محاربة على ومعاوية .. اتفق الفريقان على التحكيم إلى أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص - رضي الله عنهما - في أمر الخلافة، وعلي - رضي الله عنه - ارتضى بما يريانه، فقال القوم المذكور: إن الحكم إلا لله، فقال علي - رضي الله عنه -: كلمة حق أريد بها باطل، وكانوا اثني عشر ألف رجلٍ أنكروا الخلافة، واجتمعوا ونصبوا راية الخلاف، وسفكوا الداء وقطعوا السبيل،، فخرج إليهم علي - رضي الله عنه - وأمرهم بالرجوع فأبوا إلا القتال فقاتلهم بالنهروان، هي كزعفران، بليدة قديمة بالقرب من بغداد، فقتلهم واستأصلهم ولم ينج منهم إلا قليل، وهم الذي قال - صلى الله عليه وسلم - في حقهم:"يخرج قوم من أمتي في في آخر الزمان، يحقر أحدكم صلاته في جنب صلاتهم، وصومه في جنب صومهم، ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم".
والحاصل: أن الخوارج من الفرق الضالة لفسادهم في الاعتقاد، وبإنكار الحق وفساد الاعتقاد، ساء حال أكثر العباد في أكثر البلاد، خصوصًا في هذه الأعصار، فعلى العاقل أن يجيب دعوة الله ودعوة رسوله قولًا وعملًا وحالًا واعتقادًا، حتى يفوز بالمرام، ويدخل دار السلام، ولا يكون كالذين أرادوا أن يتداركوا الحال بعد مضي الفرصة.
١٣ - ثم ذكر سبحانه ما يدل على كبريائه وعظمته، فقال:{هُوَ} سبحانه وتعالى الإله {الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ}؛ أي: دلائل قدرته وشواهد وحدته في الأنفس والآفاق، رعايةً لمصالح أديانكم، وفيه إشارة إلى أن ليس للإنسان أن يرى ببصيرته حقائق الأشياء، إلا بإراءة الحق تعالى إياه.
{وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا}؛ أي: سبب رزق، وهو المطر مراعاةً لمصالح أبدانكم، فإن آيات الحق بالنسبة إلى حياة الأديان بمنزلة الأرزاق بالنسبة إلى حياة