للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنّ أوّل ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب؛ فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب المقدّر، وما هو كائن إلى يوم القيامة».

٥٩ - وكان كفار قريش يقولون: يا محمد إنّك تزعم أنه كان قبلك أنبياء منهم من سُخِّرت له الريح، ومنهم من كان يحي الموتى، فإن سرّك أن نؤمن بك، ونصدّقك .. فادع ربَّك أن يجعل لنا الصّفا ذهبا، فأجاب الله عن هذه الشّبهة بقوله: {وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ} {الباء} زائدة، وأن المصدرية في محل النصب بـ {مَنَعَنا} على كونه مفعولا ثانيا له؛ أي: وما (١) صرفنا عن إرسال الآيات التي اقترحتها قريش من إحياء الموتى، وقلب الصّفا ذهبا، ورفع جبال مكة لتنبسط الأرض، وتصلح للزراعة، وإجراء الأنهار لتحصل الحدائق ونحو ذلك، و {أن} في قوله: {إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} في محل رفع على المفعولية والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء؛ أي: وما منعنا عن إرسالها شيء من الأشياء إلا تكذيب الأولين، الذين هم أمثالهم في الطبع، كعاد، وثمود، وأنها لو أرسلت لكذبوا تكذيب أولئك واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنّتنا، وقد قضينا أن لا نستأصلهم؛ لأن فيهم من يؤمن أو يلد من يؤمن، ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة، فقال: {وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ} معطوف على معلوم من السياق كأنه (٢) قيل: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأولون، حيث آتيناهم ما اقترحوا من الآيات الباهرة، فكذبوها، وآتينا ثمود الناقة حالة كونها {مُبْصِرَةً} بكسر الصاد؛ أي: مبيّنة مظهرة لنبوة صالح {فَظَلَمُوا} أنفسهم بتكذيبهم. {بِهَا} وأقبلوا أنفسهم للهلاك بعقرها؛ أي: لم يكتفوا بمجرد الكفر بها، بل فعلوا بها ما فعلوا من العقر، وظلموا أنفسهم، وعرضوها للهلاك بسبب عقرها، ولعلّ تخصيصها بالذكر، لأنّ آثار ديارهم الهالكة باقية في ديار العرب، قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم، ومعنى الآية؛ أي (٣): إنّه تعالى لو


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.