أنه لم يكن مهتديًا؛ لأن الأنبياء لم يزالوا على الهداية من أول الفطرة. وفي الآية دليل على أن الهداية من الله تعالى. {لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} الذين أخطؤوا الحق في ذلك، فلم يصيبوا الهدى، وعبدوا غير الله، واتبعوا أهواءهم، ولم يعملوا بما يرضيه سبحانه وتعالى.
وفي هذا تعريض يقرب من التصريح بضلال قومه، وإرشاد إلى توقف الهداية على الوحي الإلهي،
٧٨ - وقد انتقل في المرة الثالثة من التعريض إلى التصريح بالبراءة منهم، والتصريح بأنهم على شرك بيِّن بعد أن تبلج الحق وظهر غاية الظهور، وذلك قوله:{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ} حالة كونها {بَازِغَةً}؛ أي: طالعة من وراء الأفق {قَالَ} إبراهيم مشيرًا إليها {هَذَا} الطالع، أو هذا الذي أرى الآن هو {رَبِّي}؛ أي: معبودي، وإنما قال هذا ولم يقل هذه مع كون الشمس مؤنثة، قيل: نظرًا لكونها بمعنى: الطالع كما أشرنا إليه في الحل، أو نظرًا لكون الخبر مذكرًا، أو لأن تأنيثها غير حقيقي {هَذَا} الطالع الآن {أَكْبَرُ} من الكوكب والقمر قدرًا، وأعظم ضياء ونورًا، فهو أجدر منهما بالربوبية، وفي هذا مبالغة في المجاراة لهم، وتمهيد لإقامة الحجة عليهم، واستدراج لهم إلى التمادي في الاستماع بعد ذلك التعريض الذي كان يخشى أن يصدهم عنه.
{فَلَمَّا أَفَلَتْ} الشمس وغابت كما أفل غيرها من الكوكب والقمر، واحتجب ضوؤها المشرق، وكانت الوحشة بذلك أشدَّ من الوحشة باحتجاب الكوكب والقمر .. صرح بما أراد بعد ذلك التعريض الذي تقدم، و {قَالَ} متبرئًا من شرك قومه {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} بالله من الأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث.
والخلاصة: أنه حاور وداور وتلطف في القول، وأرخى لخصمه العنان حتى وصل إلى ما أراد بألطف وجهٍ وأحسن طريق متبرئًا من تلك المعبودات التي جعلوها أربابًا وآلهةً مع الله،
٧٩ - وبعد أن تبرأ من شركهم .. قفى تلك البراءة ببيان عقيدته عقيدة التوحيد الخالص، فقال:{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ}؛ أي: إني جعلت توجهي في عبادتي، أو قصدت بعبادتي وتوحيدي الله عَزَّ وَجَلَّ، وذكر الوجه؛