أحدهما: أنها معروفة من شجر الدنيا، فقال قطرب: إنها شجرة مرة، تكون بتهامة، من أخبث الشجر، وقال غيره: هو كل نبات قاتل، فعلى هذا، ففي الكلام استعارة.
والقول الثاني: أنها عبارة عن أطعمة كريهة في النار، وفي ذكره {نُزُلًا} دلالة على أن ما ذكره من النعيم لأهل الجنة، بمنزلة ما يُعد ويرفع للنازل، ولهم وراء ذلك ما تقصر عنه الأفهام، وكذلك الزقوم لأهل النار.
والمعنى: أهذا الرزق المعلوم الذي أعطيته لأهل الجنة، كرامة مني لهم خير، أم ما أوعدت به أهل النار، من الزقوم المر البشع.
والحاصل: أن الله سبحانه، أمر رسوله أن يورد ذلك على كفار قومه، ليصير ذلك زاجرًا لهم عن الكفر والمعاصي، وهذا ضرب من التهكم والسخرية بهم، وهو أسلوب كثير الورود في القرآن الكريم.
٦٣ - قال قتادة: لما ذكر الله سبحانه هذه الشجرة، افتتن بها الكفار، فقالوا: كيف تكون في النار شجرة؟، فأنزل الله سبحانه {إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣)}؛ أي: إنا جعلنا تلك الشجرة ابتلاء، واختبارًا للكافرين. فهم حين سمعوا أنها في النار قالوا: كيف يكون ذلك، والنار تحرق الشجر، مع أن هذا ليس بالعجيب ولا بالمستحيل، فإن من قدر على خلق حيوان يعيش في النار وينعم فيها كحيات جهنم مثلا فهو أقدر على خلق الشجر فيها، وحفظه من الاحتراق.
وقيل المعنى (١): أنا جعلناها فتنة؛ أي: عذابًا لهم في الآخرة، فإن الفتن تأتي بمعنى الإحراق، وابتلاءً لهم في الدنيا حيث فتنوا وضلوا عن الحق بسببها، فإن الفاتن قد يطلق على المضل عن الحق، فإن الكفار لما سمعوا كون هذه الشجرة في النار، فتنوا به في دينهم، وتوسلوا به إلى الطعن في القرآن، والنبوة والتمادي في الكفر.