للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أدلته، فلم يبق لهم عذر فيه، وبعد أن وضح الدليل على نفي الشريك بكَّتهم وقال: {أَإِلَهٌ}؛ أي: هل إله آخر كائن {مَعَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى يفعل هذا حتى يُجعل شريكًا له.

وبعد (١) أن ذكر البرهان تلو البرهان، وأوضح الحق حتى صار كفلق الصبح .. زاد في التهكم بهم، والإنكار عليهم، والتسفيه لعقولهم، فأمر رسوله أن يطلب منهم البرهان على صدق ما يدَّعون، فقال: {قُلْ} لهم يا محمد {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} وحجتكم عقليًا أو نقليًا بما يدل على أن معه تعالى إلهًا آخر، والبرهان أوكد الأدلة، وهو الذي يقتضي الصدق أبدًا، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}؛ أي: في تلك الدعوى.

فائدة (٢): قوله تعالى: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} ذُكر هنا في خمسة مواضع متوالية، وختم الأول بقوله: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}، والثانية بقوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، والثالثة بقوله: {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}، والرابعة بقوله: {تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} والخامسة بقوله: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ومعناه: أي عدلوا، وأول الذنوب العدول عن الحق، ثم لم يعلموا، ولو علموا ما عدلوا، ثم لم يتذكروا فيعلموا بالنظر والاستدلال، فأشركوا من غير حجة وبرهان، قل لهم يا محمد: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

٦٥ - ثم بيَّن تعالى تفرده بعلم الغيب تكميلًا لما قبله من اختصاصه بالقدرة التامة، وتمهيدًا لما بعده من أمر البعث، فقال: {قُلْ} يا محمد لكافة الناس تعليما لهم {لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ}؛ أي: لا يعلم أحد من المخلوقات الكائنة في السموات والأرض من الملائكة والإنس والجن الغيب الذي استأثر الله بعلمه، كوقت قيام الساعة، ونزول المطر، وبأي أرض تموت النفس، وماذا تكسب غدًا، فـ {مَنْ} الموصولة فاعل {يَعْلَمُ}، و {الْغَيْبَ} مفعوله، ولفظ الجلالة في قوله: {إِلَّا اللَّهُ} مبتدأ، خبره محذوف، والاستثناء


(١) المراغي.
(٢) فتح الرحمن.