معبود بحق في الوجود إلا هو سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوًا كبيرًا، وإذا تبيّن تفرّده تعالى بالألوهية والخالقية والرّازقيّة {فَأَنَّى}؛ أي: فمن أي وجه، وبأي حجة {تُؤْفَكُونَ}؛ أي: تصرفون عن التوحيد إلى الشرك، وعن عبادته إلى عبادة الأوثان، وكيف تصرفون، فالفاء لترتيب إنكار عدولهم عن الحق إلى الباطل على ما قبلها.
قال الزجاج: أي من أين يقع لكم الإفك والتكذيب بتوحيد الله والبعث، وأنتم مقرّون بأنّ الله خلقكم ورزقكم. وفي "الفتوحات"؛ {فَأَنَّى} هنا بمعنى: كيف؛ أي: من أيِّ وجه، ومن أي حالة، وبأي سبب تعبدون غيره، فغيره ليس فيه وصف يقتضي أن تصرفوا لعبادته، فإنه لا يقدر على خلق، ولا على رزق، ولا على غيرها. اهـ شيخنا.
ومعنى الآية: يا أيها الناس راعوا نعم الله تعالى واحفظوها بمعرفة حقها، والاعتراف بها، وخصوا خالقها بالعبادة والطاعة، فهو الذي بيده أرزاقكم وأقواتكم، فإلى أيّ وجه تصرفون عنه بعد أن استبان الحق ووضح السبيل.
والخلاصة: احفظوا نعم الله تعالى، وأدّوا حقها, ولا تشركوا به سواه من الأصنام والأوثان بعد وضوح الدليل وسطوع البرهان.
٤ - ثم سلّى الله سبحانه رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال:{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} ليتأسَّى بمن قبله من الأنبياء، ويتسلّى عن تكذيب كفار العرب؛ أي: وإن استمر المشركون على أن يكذّبوك با محمد فيما بلّغت إليهمِ فلا تحزن واصبر. {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ} أولوا شأن خطير، وذوو عدد كثير، {مِنْ قَبْلِكَ} فصبروا وظفروا. {وَإِلَى اللَّهِ} سبحانه لا إلى غيره {تُرْجَعُ الْأُمُورُ} من الرجع، وهو الرد؛ أي: تردّ إليه عواقبها، فيجازي كل صابر على صبره، وكل مكذّب على تكذيبه. وفي "التأويلات النجمية": يشير إلى تسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأولياء أمته وتسهيل الصبر على الأذيّة إذا علم أن الأنبياء عليهم السلام استقبلهم مثل ما استقبله، وأنهم لمَّا صبروا لله كفاهم، علم أنه يكفيه بسلوك سبيلهم والاقتداء بهم. وقرأ الحسن والأعرج ويعقوب وابن عامر وأبو حيوة وابن محيصن وحميد والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف (١): {ترجع}