"المفردات". {إِذَا تُمْنَى}؛ أي: إذا تدفق، وتصب في الرحم والمعنى: أنه يقدر منها الولد. قال أبو عبيدة:{إِذَا تُمْنَى} إذا تقدر. يقال: منيت الشيء إذا قدرته، ومنى له إذا قدر له. فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ} ولم يقل: وأنه هو خلق، كما قال: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣)}؟ فالجواب: أن الضحك والبكاء ربما يتوهم أنهما بفعل الإنسان، وكذا الإماتة. وإن كان ذلك التوهم فيهما أبعد، لكن ربما يقول به جاهل، كما قال من حاج إبراهيم:{أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}. فأكد ذلك بالفصل. وأما خلق الذكر والأنثى من النطفة، فلا يتوهم أحد أنه بفعل أحد من الناس فلم يؤكد بالفصل. اهـ كرخي.
والمعنى: أي وأنه خلق الذكر والأنثى من الإنسان وغيره من الحيوان من المنيّ الذي يدفق، ويصب في الأرحام.
٤٧ - {وَ} مما في صحفهما {أَنَّ عَلَيْهِ} سبحانه وتعالى {النَّشْأَةَ الْأُخْرَى}، أي: الخلقة الأخرى. وهو الإحياء بعد الموت وفاء بوعده، لا لأنّه يجب على الله كما يوهمه ظاهر كلمة على. وفيه تصريح بأن الحكمة الإلهية اقتضت النشأة الثانية الصورية للجزاء، والمكافأة، وإيصال المؤمنين بالتدرج إلى كمالهم اللائق بهم. ولو أراد تعجيل أجورهم في هذه الدار .. لضاقت الدنيا بأجر واحد منهم، فما ظنك بالباقي. ومن طلب تعجيل نتائج أعماله وأحواله في هذه الدار .. فقد أساء الأدب، وعامل الموطن بما لا يقتضيه حقيقته؛ أي: وإن عليه الإحياء بعد الإماتة ليجازي كلًّا من المحسن، والمسيء على ما عمل. وقرأ الجمهور (١){النَّشْأَةَ} بالقصر بوزن الضربة. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو بالمد بوزن الكفالة. وهما على
القراءتين مصدران.
٤٨ - {وَ} مما في صحفهما {أَنَّهُ} تعالى {هُوَ} وحده {أَغْنَى} من شاء من عباده بالأموال {وَأَقْنَى}؛ أي: أفقر من شاء منها. ومثله قوله تعالى:{يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}، وقوله:{يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ}؛ أي: وأنه تعالى يغني من يشاء من عباده، ويفقر من يشاء بحسب ما يرى من استعداد كل منهما ومقدرته على كسب المال بحسب السنن المعروفة في هذه الحياة.