للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بقوله: {وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي}، ويمنعني {مِن} عذاب {اللَّهِ} سبحانه وتعالى، وانتقامه {إِنْ طَرَدْتُهُمْ}؛ أي: إن طرَدت الذينَ آمنوا عن حَضْرَتِي، وأبْعَدْتُهم عن مجلسي بسبب قَوْلِكُم، فإنَّ طردَهم بسبب سبقهم إلى الإيمان, والإجابة إلى الدعوة التي أرسَلَ الله رسولَه لأجلها .. ظلم عظيم، لا يَقَعُ من أنبياء الله المؤيدينَ بالعصمة، ولو وقَعَ ذلك منهم فرضًا وتقديرًا .. لكان فيه من الظلم ما لا يكون، لو فَعَلَه غَيْرُهم من سائر الناس، والاستفهام في قوله: {مَنْ يَنْصُرُنِي} للإنكار و (الهمزة) في قوله: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٥٥)} للتوبيخ داخلةٌ على محذوف، و (الفاء) عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أتستمرون عَلى ما أنتم عليه مِنَ الجهل بما ذكر، فلا تذكرون من أحوالهم ما ينبغي تذكره، وتتفكرون فيه حتَّى تعرفوا ما أنتم عليه من الخطأ، فَتَنْتَهُوا عنه، وما هم عليه من الصواب، فإنَّ لهم ربًّا ينصرهم، وينتقم لهم.

٣١ - {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ} بادّعائي للنبوة والرسالة {عِنْدِي خَزَائِنُ} رزق {اللَّهِ} سبحانه وتعالى أي أنواع (١) رزقه التي يَحْتَاجُ إليها عبادُهُ للإنفاق منها، أتصرف فيها بغير وسائل الأسباب المسخَّرة لسائر الناس، فأنفق على نفسي، وعلى من تَبِعَني بالتصرف فيها بخوارق العادات، بل أنا وغيري في الكسب سواء، إذ ذلك ليس من موضوع الرسالة، ولا من خصائص النبيّ، ولو كَانَ كذلك لاتبع الناس الرُّسلَ لأجلها، بل الغاية من بعْثِ الرسل تزكية الأنْفُس بمعرفة الله وعبادته، وتأهيلها لِمَثُوبتِهِ في دَارِ كرامته، ورضاه عنها يومَ لا ينفعُ مالُ ولا بنون.

وقال ابن الأنباري (٢): أراد بالخزائن: عِلْمَ الغيب المَطْوِيِّ عن الخَلْق لأنهم قالوا له: إنما اتَّبَعَكَ هؤلاء في الظَّاهِر، وليسوا مَعَك فقال لهم: ليس عندي خزائن غيوب الله، فأعلمَ ما تَنْطوِي عليه الضمائر، وإنما قيل للغيوب خزائنُ لِغُموضها عن الناس، واستتارها عنهم. قال سفيان بن عيينة: إنما آيات القرآن خزائن، فإذا دَخَلْتَ خزانة .. فاجْتَهد أن لا تَخْرُجَ منها حتى تعرف ما فيها.


(١) المراغي.
(٢) زاد المسير.