للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ}؛ أي: ولا أدَّعي أنِّي أعلَمُ بغيب الله، فلا أمْتَازُ عن سائر البشر، بعلم ما لا يصل إليه علمهم الكسبيُّ من مصالحهم، ومنافعهم، ومضارِّهم في معايشهم، وكسبهم، فأخْبَرُ بها أتباعي، لِيَفْضُلوا عليكم، ومن ثمَّ أمَرَ الله تعالى نبِيَّه أن يقول لقومه: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}.

قيل: إنما قالَ لهم هذا, لأنَّ أرضَهم أجْدَبَتْ فسألوه متى يَجِىءُ المطر، وقيل: بل سألوه متى يجيء العذابُ، وقوله: {وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} جوابُ لقولهم: {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا}؛ أي: ولا أقول لكم إني مَلَكُ من الملائكة، أُرْسِلْتَ إليكم، فَأكون كاذبًا فيما أدَّعِي، بل أنا بشر مثلكم، أمرتُ بدعائكم إلى الله، وقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم.

وفي هذا (١): دحض لشبهَتهم إذ زعموا أنَّ الرَّسولَ من الله إلى البشر، يجب أن يفضُلَهم، ويمتازَ عنهم، ولا سبيلَ إلى ذلك إلا بأن يكون مَلَكًا يَعلمُ ما لا يعلمه البشر، ويقدر على ما لا يقدر عليه البشر.

والحاصلُ: أنكم (٢) اتخذتم فقدانَ هذه الأمور الثلاثة ذريعةً إلى تكذِيبي، والحالُ أنِّي لا أدَّعي شيئًا من ذلك، والذي أدَّعِيه لا يتعلق بشيء منها، وإنما يتعلَّقُ بالفضائل النفسانية التي بها تتَفاوَتُ مقاديرُ البشرِ.

فصل في الاستدلال على تفضيل الملائكة على الأنبياء

استدلَّ بعضُهم بهذه الآية (٣) على تفضيل الملائكة على الأنبياء، قال: لأن نوحًا عليه السلام قال: {وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} لأنَّ الإنسان إذا قَالَ: أنا لا أدَّعِي كذا وكذا، لا يحسن إلا إذا كَانَ ذلك الشيء أشرف وأفضل من أحوال ذلك القائل، فلَمَّا قال نوح عليه السلام هذه المقالة، وجب أن يكون ذلكَ المَلَكُ


(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) الخازن.