للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أرغفة لم يستوف أكلها حتى أتاه، وكانت المسافة ثمانين فرسخًا. قيل (١): هذا القميص هو القميص الذي ألبسه الله إبراهيم لما ألقي في النار، وكساه إبراهيم إسحاق، وكساه إسحاق يعقوب، وكان يعقوب أدرج هذا القميص في قضيبه وعلقه في عنق يوسف لما كان يخاف عليه من العين، فأخبر جبريل يوسف أن يرسل به إلى يعقوب ليعود عليه بصره؛ لأن فيه ريح الجنة، وريح الجنة لا يقع على سقيم إلا شقي، ولا مبتلى إلا عوفي.

٩٤ - {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ}؛ أي: ولما انفصلت عير بني يعقوب عن حدود مصر، وخرجت منها قافلة إلى أرض الشام {قَالَ أَبُوهُمْ} يعقوب عليه السلام لمن حضره من حفدته ومن غيرهم: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}؛ أي: لأشم رائحة يوسف كما عرفتها في صغره. وفي "التبيان" هاجت الريح، فحملت ريح القميص من مسافة ثمانين فرسخًا، واتصلت بيعقوب، فوجد ريح الجنة، فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص انتهى. وهذا موافق لما سبق من أنه كان في القميص ريح الجنة لا يقع على مبتلى إلا عوفي، فالخاصية في ريح الجنة لا في ريح يوسف كما ذهب إليه "البيضاوي". وأما الإضافة في قوله: {رِيحَ يُوسُفَ} فللملابسة كما لا يخفى {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ}؛ أي: لولا أنا تنسبوني إلى الفند، وهو الخرف ونقصان العقل وفساد الرأي من هرم. وجواب {لَوْلَا} محذوف تقديره: لولا تفنيدكم إياي لصدقتموني فيما أقول لكم، فوجد ريحه من ثمانية أيام. وفي رواية من ثمانين فرسخًا، والمراد: من مسافات بعيدة جدًّا. والفند (٢): وهو نقصان العقل من هرم، يقال: شيخ مفند، ولا يقال: عجوز مفندة؛ إذ لم تكن في شبيبتها ذات رأي فتفند في كبرها؛ أي: نقصان عقلها ذاتي لا حادث من عارض الهرم.

واعلم: أن الخرف لا يطرأ على الأنبياء والورثة؛ لأنه نوع من الجنون الذي هو من النقائص، وهم مبرأون مما يشين بهم من الآفات.


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.