٣ - أنهم لما أصروا على التكذيب مع ظهور المعجزات القاهرة وفق دعواه .. كان تكذيبهم تكذيبًا لآيات الله المؤيدة له، أو تكذيبًا له سبحانه وتعالى، فكأن الله قال له: إن القوم ما كذبوك، ولكن كذبوني، وذلك أن تكذيب الرسول كتكذيب المرسل المصدِّق له بتأييده على حد:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ}.
٤ - أن المراد أنهم لا يخصونك بالتكذيب، بل ينكرون دلالة المعجزة على الصدق مطلقًا، ويقولون في كل معجزة إنها سحر، فكأن الخلاصة أنهم لا يكذبونك على التعيين، ولكن يكذبون جميع الأنبياء والرسل.
٣٤ - ثم لفت وصرف نظر رسوله - صلى الله عليه وسلم - لأن يقتدي بالرسل قبله في الصبر على التكذيب، فقال:{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}؛ أي: وعزتي وجلالي لقد كذب الرسل الذين من قبلك - كنوح ومن بعده - قومهم، كما كذبك قومك {فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا}؛ أي: فصبروا على تكذيبهم وإيذائهم لهم {حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} بإهلاك قومهم فاصبر يا أشرف الخلق كما صبروا .. تظفر على أعدائك كما ظفروا، بل أنت أولى بالتزام الصبر؛ لأنك مبعوث إلى جميع العالمين.
وقرأ (١) الجمهور: {وَأُوذُوا} بواو بعد الهمزة من آذى يؤذي رباعيًّا. وقرأ ابن عامر في رواية شاذة:{وأذوا} من غير واو بعد الهمزة، وهو من أذيت الرجل ثلاثيًّا لا من آذيت رباعيًّا. اهـ "سمين". وفي الآية تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد تسلية، وإرشاد إلى سننه تعالى في الرسل والأمم، وقد صرح بوجوب الصبر على هذا الإيذاء في قوله:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}، وفي قوله: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (١٠)}. وقد دلت التجارب على أن التأسي يهون المصاب، ويفيد شيئًا من السلوى، ومن هذا تعلم حكمة تكرار التسلية بأمثال هذه الآية مع الأمر بالصبر المرة بعد المرة؛ لأن الحزن والأسف اللذين كانا يعرضان له - صلى الله عليه وسلم - من شأنهما أن يتكررا بتكرر سببهما وبتذكره.