للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

غيرهم، فأعطانيها، وسألته: أن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فمنعنيها" أخرجه الترمذي.

ثم طلب منه النظر فيما لديه من الحجج والبينات، فقال: {انْظُرْ} يا محمَّد وتأمل بعين بصيرتك {كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ}؛ أي: كيف نبين دلائلنا وحججنا لهؤلاء المكذبين {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}؛ أي: يفهمون ويعتبرون فينزجروا ويرجعوا عماهم عليه من الكفر والتكذيب؛ أي: انظر كيف نصرف الآيات ونكررها مغيَّرة من حال إلى حال، لكي يقفوا على جلية الأمر، فيرجعوا عما هم عليه من العناد.

والمعني (١): تأمل بعين بصيرتك أيها الرسول، كيف نصرف الآيات والدلائل ونتابعها على أنحاء شتَّى، منها ما طريقه الحس، ومنها ما طريقه العقل، ومنها ما سبيله علم الغيب، لعلهم يفقهون الحق، ويدركون الحقائق بأسبابها وعللها التي تفضي إلى الاعتبار والعمل بها. وأقرب الوسائل إلى تحصيل ذلك: تصريف الآيات، واختلاف الحجج والبينات. وبذا يتذكرون ويزدجرون عما هم عليه مقيمون من التكذيب بكتابنا ورسولنا، وانكبابهم على عبادة الأوثان والأصنام.

٦٦ - ثم ذكر أن قومه قد كذبوا به على وضوح حجته، فقال: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ}؛ أي: وكذب بالقرآن قومك يا محمَّد على ما صرفنا فيه من الآيات الجاذبة إلى فقه الإيمان؛ إذ يثبتها الحس والعقل والوجدان. {وَهُوَ الْحَقُّ}؛ أي: والحال أنه كتاب حق صادق فيما نطق به، ثابت لا شك فيه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وقرأ ابن أبي عبلة: {وكذبت به قومك} بالتاء، كما قال {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ}. وقيل (٢): الضمير في: {بِهِ} يرجع إلى العذاب، وهو الحق، يعني: أنه نازل بهم إن أقاموا على كفرهم وتكذيبهم. وقيل: الضمير يرجع إلى تصريف الآيات، وهو الحق؛ لأنهم كذبوا كونها من عند الله.

ثم أمر رسوله بأن يبلغهم بأن لا سبيل له في جبرهم على الإيمان به،


(١) المراغي.
(٢) الخازن.