ذلك المقصود مباحًا وواجب إن كان ذلك المقصود واجبًا، فهذا ضابطه، انتهى. وفي «الأسئلة المقحمة»: ومن الناس من يجوّز الكذب في الحروب لأجل المكيدة والخداع، وإرضاء الزوجة، والإصلاح بين المتهاجرين، والصحيح: أنه لا يجوز الكذب أيضًا في هذه المواضع؛ لأن الكذب في نفسه قبيح، والقبيح في نفسه لا يصير حسنًا باختلاف الصور والأحوال، وإنما يجوز في هذه المواضع بتأويل وتعريض لا بطريق التصريح، مثاله نحو قول الرجل لزوجته إذا كان لا يحبها: كيف لا أحبك وأنت حلالي وزوجتي وقد صحبتك. فأما إذا قال صريحا: بأني أحبك وهو يبغضها، فيكون كذبًا محضًا، ولا رخصة فيه.
وفي «فتح الرحمن» قوله: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨)} لم يقل: إلى النجوم مع أن النظر إنما يتعدى بإلى، كما في قوله تعالى:{وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ}؛ لأن {فِي} بمعنى إلى كما في قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ}، أو أن النظر هنا بمعنى الفكر، وهو يتعدى بفي، كما في قوله:{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ}. فصار المعنى هنا: ففكر في علم النجوم. فإن قلت: لم لم يجز النظر في علم النجوم كما جاز لإبراهيم؟.
قلت: إذا كان الناظر فيه كإبراهيم في أن الله أراه ملكوت السموات والأرض، جاز له النظر فيه.
٩١ - {فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ}؛ أي: ذهب إبراهيم إلى آلهتهم وأصنامهم في خفية، وأصله: الميل بحيلة من روغة الثعلب، وهو ذهابه في خفية وحيلة {فَقالَ} إبراهيم للأصنام استهزاء وسخرية: {أَلا تَأْكُلُونَ} أيتها الأصنام من الطعام الذي يصنعونه لكم، وخاطبا كما يخاطب من يعقل، لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة، وكانوا يضعون الطعام عند الأصنام لتحصل لهم البركة بسببها، ويأكلوه إذا رجعوا من عيدهم، وقيل: تركوه للسدنة، وقيل: إن إبراهيم هو الذي قرب إليها الطعام مستهزئًا بها،
٩٢ - والاستفهام في قوله: {ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢)} للتهكم بهم؛ أي: أي مانع ثبت لكم غير ناطقين بجوابي
٩٣ - {فَراغَ} إبراهيم؛ أي: مال مستعليًا {عَلَيْهِمْ} حال كونه يضربهم {ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}؛ أي: ضربًا حاصلًا باليد اليمنى. فانتصابه على أنه مصدر مؤكد، لفعل محذوف، أو مصدر لراغ؛ لأنه بمعنى ضرب أو على