للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما يشاء مما في اللوح المحفوظ، فيكون كالعدم، ويثبت ما يشاء مما فيه، فيجري فيه قضاؤه وقدره على حسب ما تقتضيه مشيئته، وهذا لا ينافي ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من قوله: "جف القلم" وذلك لأن المحو والإثبات هو من جملة ما قضاه الله سبحانه، وقيل: إن أم الكتاب هو علم الله تعالى بما خلق وما هو خالق.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم (١): {وَيُثْبِتُ} مخففًا من أثبت، وباقي السبعة مثقلًا من {ثَبَت}.

٤٠ - {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ} يا محمد {بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} من العذاب في حياتك، والجواب محذوف تقديره: فذاك شافيك من أعدائك، ودليل على صدقك {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ}؛ أي: نقبضنك قبل أن نريك ذلك. وهذه الجملة شرط ثان لعطفه على الشرط قبله، وجوابه أيضًا محذوف تقديره: فلا تقصير منك ولا لوم عليك. وقوله: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} تعليل لهذا المحذوف؛ أي: ليس عليك إلا تبليغ الرسالة إليهم، والبلاغ اسم مصدر أقيم مقام التبليغ {وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} لا عليك؛ أي: أن نحاسبهم يوم القيامة، فنجازيهم بأعمالهم، فننتقم منهم أشد الانتقام، فلا يهمنك إعراضهم ولا تستعجل بعذابهم.

والمعنى: أي إن أريناك (٢) أيها الرسول في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين باللهِ من العقاب على كفرهم، أو توفيناك قبل أن نريك ذلك، فما عليك إلا تبليغ رسالة ربك لا طلب صلاحهم ولا فسادهم، وعلينا محاسبتهم ومجازاتهم بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، ونحو الآية قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦)}. وهذا تسلية من (٣) الله سبحانه وتعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وإخبار له أنه قد فعل ما أمره الله به وليس عليه غيره، وأن من لم يجب دعوته ويصدق نبوته .. فالله سبحانه محاسبه على ما اجترم واجترأ عليه من ذلك. والهمزة في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا} للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أأنكر أولئك


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.