للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذكر الأول منها سبحانه بقوله: {وَقالُوا}؛ أي: قال مشركو مكة، ورؤساؤهم كأبي سفيان، والنضر بن الحارث {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} يا محمد؛ أي: لن نصدّقك، ولن نعترف لك بنبوتك ورسالتك، {حَتَّى تَفْجُرَ}؛ أي: تشقّق {لَنا مِنَ الْأَرْضِ}؛ أي: من أرض مكة {يَنْبُوعًا}؛ أي: عينًا كثيرة الماء ينبع ماؤها، ولا يغور ولا ينقطع، وهو يفعول من نبع الماء و {الياء} زائدة كيعبوب من عب الماء إذا كثر.

والمعنى (١): وقال رؤساء مكة وصناديدها قول المبهوت المحجوج المتحير: لن نصدقك حتى تستنبط لنا عينًا من أرضنا، تدفق بالماء أو تفور، وذلك سهلٌ يسير على الله، لو شاء فعله وأجابهم إلى ما يطلبون، ولكن الله علم أنهم لا يهتدون كما قال: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧)}، وقال أيضًا {وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا} الآية، وقرأ حمزة والكسائي، وعاصم {حَتَّى تَفْجُرَ} مخففًا مثل تقتل، وقرأ الباقون بالتشديد من {فجر} المضعف، ولم يختلفوا في {فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ} أنها مشددة، ووجه ذلك أبو حاتم بأن الأولى بعدها ينبوع وهو واحد، والثانية بعدها الأنهار، وهي جمع.

٩١ - وذكر الثاني منها بقوله: {أَوْ تَكُونَ لَكَ} وحدك {جَنَّةٌ}؛ أي: بستان تستر أشجاره ما تحتها من العرصة؛ أي: بستان كائن {مِنْ نَخِيلٍ} من أشجار {عِنَبٍ} وعبر بالثمرة، لأن الانتفاع بغيرها من الكرم قليل {فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ} والسواقي وتجريها أنت بقوة {خِلالَها}؛ أي: وسطها {تَفْجِيرًا} كثيرًا، والمراد إما إجراء الأنهار وسطها عند سقيها، أو إدامة إجرائها كما ينبىء عنه الفاء لا ابتداؤه.

وقال في «القاموس»: خلال الدار، ما حوالي جدورها، وما بين بيوتها، وخلال السحاب مخارج الماء. انتهى، والمعنى: أو يكون لك بستانٌ فيه نخيلٌ وعنبٌ تفجر الأنهار خلاله تفجيرًا لسقيه.


(١) المراغي.