جميع العرب سوى الحمس، سموا حمسًا جمع أحمس؛ لتشددهم في دينهم من الحماسة؛ وهي الشدة والشجاعة، والقول الثاني: أنه خطاب لسائر المسلمين، والمراد بالناس: إبراهيم وإسماعيل وأتباعهما، والمعنى على هذا القول: ثم بعد ذكركم أيها المسلمون عند المشعر الحرام ارجعوا من المزدلفة إلى منى حيث أفاض الناس؛ أي: ارجعوا إلى منى للرمي والنحر في الوقت الذي أفاض ورجع فيه الناس؛ أي: إبراهيم وإسماعيل وأتباعهما؛ أي: ارجعوا قبل طلوع الشمس كما رجع منها إبراهيم وإسماعيل في ذلك الوقت على ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكان العرب الذين وقفوا بالمزدلفة يرجعون إلى منى بعد طلوع الشمس، وهذا القول اختاره الضحاك، لكن القول الأول هو الأصح الذي عليه جمهور المفسرين.
{وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ}؛ أي: واطلبوا من الله باللسان مغفرة ذنوبكم، وتقصيركم في أعمال الحج، مع التوبة بالقلب؛ وهو أن يندم على كل تقصير منه في طاعة الله، ويعزم على أن لا يقصر فيما بعد، ويقصد بذلك: تحصيل مرضاة الله تعالى. {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} لذنوب المستغفرين {رَحِيمٌ} بهم بقبول توبتهم، ومنعم عليهم بإحساناته.
٢٠٠ - {فَإِذَا قَضَيْتُمْ}؛ أي: أديتم {مَنَاسِكَكُمْ}؛ أي: أعمال حجكم وعبادتكم، وفرغتم منها بأن رميتم جمرة العقبة، وطفتم واستقررتم بمنى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ} بالتحميد والتمجيد والتهليل والتكبير، وابذلوا جهدكم في الثناء عليه، وذكر نعمائه {كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ}؛ أي: كما كنتم تذكرون آبائكم عند فراغ حجكم بالمفاخر، وتبذلون جهدكم في الثناء عليهم {أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}؛ أي: بل اذكروا الله ذكرًا أكثر من ذكركم آباءكم؛ لأنه هو المنعم عليهم وعلى الآباء، فهو المستحق للذكر والثناء مطلقًا؛ لأن صفات الكمال لله تعالى غير متناهية.
وسئل ابن عباس عن معنى هذه الآية، فقيل له: قد يأتي على الرجل اليوم ولا يذكر فيه أباه، فقال: ليس المعنى كذلك، ولكن المعنى: أن تغضب لله إذا عصي أشد من غضبك لوالديك إذا شُتِمَا.