للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٢١ - {فَفَرَرْتُ}؛ أي: ذهبت من بيتكم هاربًا {مِنْكُمْ} إلى مدين حذرًا على نفسي {لَمَّا خِفْتُكُمْ} أن تصيبوني بمضرة، وتؤاخذوني بما لا أستحقه بجنايتي من العقاب؛ لأني قتلت القتيل خطأ، وأنا ابن اثنتي عشرة سنة مع كونه كافرًا، وروي عن حمزة: {لما خفتكم} - بكسر اللام، وبما المصدرية - أي: لتخوفي منكم، وقرأ الجمهور بتشديد الميم ظرفًا بمعنى حين.

{فَوَهَبَ لِي رَبِّي} حين رجعت من مدين {حُكْمًا}؛ أي: علمًا وفهمًا، أو نبوةً، وقال الزجاج: المراد بالحكم تعليمه التوراة التي فيها حكم الله {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} إليكم بعد تلك الفعلة. وفي "فتح الرحمن" {حُكْمًا}؛ أي: نبوة، {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} درجة ثانية للنبوة، فرب نبي ليس برسول، وقرأ عيسى: {حُكُمًا} - بضم الكاف - والجمهور بالإسكان، والحكم: النبوة.

والمعنى: أي فخرجت هاربًا منكم حين توقعت مكروهًا يصيبني حين قيل لي: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} فوهب لي ربي علمًا بالأشياء على وجه الصواب، وجعلني من المرسلين من قبله لهداية عباده، وإرشادهم إلى النجاة من العذاب.

وخلاصة ما قال (١): إن القتل الذي توبخني به لم يكن مقصودًا لي، بل كنت أريد بوكزه التأديب فحسب، فلا أستحق التخويف الذي أوجب فراري، وإن أنتم أسأتم إلى فقد أحسن إلى ربي فوهب لي فهم الأمور على حقائقها، وجعلني من زمرة عباده المخلصين.

٢٢ - ثم بين له أنه وإن أسدى النعمة إليه فقد أساء إلى شعبه عامة، فقال: {وَتِلْكَ}؛ أي: التربية المدلول عليها بقوله: {أَلَمْ نُرَبِّكَ} {نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ}؛ أي: تمن بها عليّ ظاهرًا، وهي في الحقيقة {أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}؛ أي: وسبب (٢) تلك النعمة في الحقيقة تعبيدك بني إسرائيل، وقصدك إياهم بذبح أبنائهم؛ أي: فإن السبب في وقوعي عندك، وحصولي في تربيتك تعبيدك بني إسرائيل، يعني:


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.