للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٨ - {وَجَاءُوا}؛ أي: جاء إخوة يوسف {عَلَى قَمِيصِهِ}؛ أي: فَوقَ قميص يوسف، فهو منصوب على الظرفية، من قوله: {بِدَمٍ}؛ أي: جَاؤوا بدم فوقَ قميصه، أو على الحالية منه، والخلافُ في تقدُّم الحال على المجرور فيما إذا لم يكن الحال ظرفًا {كَذِبٍ} مصدر وصف به الدم مبالغةً كأنَّ مجيئَهم من الكذب نفسه، كما يقال للكذَّاب: هو الكذب بعينه، أو مصدرٌ بمعنى مفعول، أي مكذوب فيه؛ لأنه لم يَكُنْ دَمُ يوسف. وقرأ (١) الجمهور: {كذِبٍ} وَصْفًا للدم على سبيل المبالغة، كما قلنا آنِفا أو على حذف مضاف؛ أي: ذي كذب لمَّا كان دالًّا على الكذب وصف به، وإن كان الكَذِبُ صَادِرًا من غيره. وقرأ زَيْدُ بن علي: {كَذِبًا} بالنصب على الحال، فاحتمل أن يَكُونَ مصدرًا في موضع الحال، وأن يَكُونَ مَفْعُولًا لأَجْلِهِ. وقرأت عَائِشَةُ والحسن: {كَدِبٍ} بالدال المهملة، وفسِّر بالكدر. وقيل: الطَّرِيِّ. وقيل: اليابس.

روي (٢) أنهم ذَبَحُوا سخلةً ولَطَخُوه بدمها، وزَالَ عنهم أن يمزِّقُوه فلَمَّا سمع يعقوبُ بخبر يوسف، صاح بأعلى صوته، فقال: أين القميص؟ فأخذه وألقاه على وجهه، وبكى حتى خَضِبَ وَجْهَه بدم القميص، قال: تالله ما رأيت كاليوم ذئبًا أحلم من هذا أَكَل ابني، ولم يمزِّقْ عليه قَمِيصَهُ. وقوله: {قَالَ} مستأنف استئنافًا بيانيًّا كأنه قيل: ما قال يعقوب؟ هل صدَّقهم فيما قالوا: أو لا؟ فقيل: {قَالَ} يعقوب جوابًا لهم لم يكن ذلك الذي أخْبَرْتُمُوه لي صدقًا {بَلْ سَوَّلَتْ} وزينتْ وسَهَّلَتْ {لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ} قاله ابن عباس رضي الله عنهما. والتسويل (٣): تقدير شيء في الأنفس مع الطمع في إتمامه. قال الأزهري: كأن التسويلَ تفعيل من سؤال الأشياء، وهي الأمنية التي يطلبها فيزيَّن لطالبها الباطلُ وغَيْرُه. {أَمْرًا} من الأمور مُنْكرًا لا يُوصَفُ ولا يُعْرَفُ فصنعتموه بيوسف، استدلَّ يَعْقُوبَ على أنهم فَعلُوا بيوسف ما أرادوا، وأنهم كاذبون، بشيئين: بما عرف منْ حسدهم الشديد، وبسلامة القميص، حيث لم يَكُن فيه خرق ولا أثر نَاب؛ فقوله: {بَلْ سَوَّلَتْ} ردٌّ


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.