للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وخلاصة ذلك: أنه يكون نسَّاء، فإذا كسب علمًا في شيء .. لم يلبث أن ينساه، ويزول من ساعته، فيقول لك: من هذا فلانٌ، فلا يمكث إلا هنيهةً ثم يسألك عنه مرةً أخرى.

{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {عَلِيمٌ}، بمقادير أعماركم {قَدِيرٌ} على كل شيء، يميت الشاب النشيط، ويبقي الهرم الفاني.

والمعنى: أي إن الله (١) سبحانه عليم بكل شيء، فيعلم وجه الحكمة في الخلق والتوفي، والرد إلى أرذل العمر، ولا ينسى شيئا من ذلك، وهو قدير على كل شيء، فلا يعجزه شيء أراده.

ومجمل القول: أن ما يعرض في الهرم من ضعف القوة والقدرة وانتفاء العلم يتنزه عن مثله المولى سبحانه جلَّ شأنه، فهو كامل العلم، تامُّ القدرة، لا يتغير شيءٌ منهما بمرور الأزمنة، كما يتغير علم البشر وقدرتهم.

٧١ - ولمَّا ذكر سبحانه تفاوت الناس في الأعمار .. ذكر تفاوتهم في الأرزاق فقال: {وَاللَّهُ} سبحانه وحده {فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}؛ أي: فاوت بينكم في الرزق، كما فاوت بينكم في الذكاء والبلادة، والحسن والقبح، والصحة والسقم، وقوة البدن وضعفه، فجعلكم متفاوتين فيه، فوسع على بعض عباده، حتى جعل له من الرزق ما يكفي أُلوفًا مؤلفة من بني آدم، وضيقه على بعض عباده، حتى صار لا يجد القوت إلا بسؤال الناس والتكفف لهم، وذلك لحكمة بالغة تقصر عقول العباد عن تعقلها والاطلاع على حقيقة أسبابها، والرزق (٢) ما يسوقه الله تعالى إلى الحيوان من المطعومات والمشروبات، وفيه تنبيه على أن غنى المكثر ليس من كياسته ووفور عقله وكثرة سعيه، ولا فقر المقل من بلادته نقصان عقله وقلة سعيه، بل من الله تعالى ليس إلا:

كَمْ عَاقِلٍ عَاقِلٍ أَعْيَتْ مَذَاهِبُهُ ... وَجَاهِلٍ جَاهِلٍ تَلْقَاهُ مَرْزُوقًا


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.