للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحاصل المعنى: أي (١) والله تعالى جعلكم متفاوتين في أرزاقكم، فمنكم الغنيُّ، ومنكم الفقير، ومنكم المملوك، ومنكم المالك، وأعطاكم من الرزق أكثر مما أعطى مماليككم، ولم يجعل ذلك بحسن الحيلة وفضل العقل فحسب، فكثيرًا ما نرى الحول القلب، لا يحصل إلا على الكفاف من الرزق بعد الجهد الجهيد، بينما ترى الأحمق يتقلب في نعيم العيش وزخرف الدنيا، ولله در سفيان بن عيينة - رحمه الله - إذ يقول:

كَمْ مِنْ قوِيٍّ قوِيٌّ فِيْ تَقَلُّبهِ ... مُهَذَّبُ الرَّأي عَنْهُ الرِّزْقُ مُنْحَرِفُ

وَمِنْ ضَعِيْفٍ ضَعِيفُ العَقْلِ مُخْتَلِطٌ ... كَأَنَّهُ مِنْ خلِيج الْبَحْرِ يَغْتَرِفُ

{فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا}؛ أي: فليس (٢) الموالي الذين فضلوا في الرزق على المماليك {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ}؛ أي: بمعطي رزقهم الذي رزقهم إياه، أصله رادِّين، سقطت النون للإضافة، {عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وأيديهم؛ أي: على مماليكهم الذين هم شركاؤهم في المخلوقية والمرزوقية، "فهم"؛ أي: الملاك والمماليك {فِيهِ}؛ أي: في الرزق {سَوَاءٌ}؛ أي: مستوون، لا مزية لبعضهم على بعض، وفي الفاء دلالة على ترتب التساوي على الرد؛ أي: يردون عليهم ردًّا مستتبعًا للتساوي في التصرف، والتشارك في التدبير، وإنما يردون عليهم منه شيئًا يسيرًا.

والحاصل: أنهم لا يجعلون ما رزقناهم من الأموال وغيرها شركةً بينهم وبين مماليكهم، بحيث لا يرضون بمساواة مماليكهم لأنفسهم، وهم أمثالهم في البشرية والمخلوقية، فما بالهم كيف جعلوا مماليكه تعالى ومخلوقاته شركاء له، مع كمال علوه، فأين التراب ورب الأرباب.

أي: فما الذين (٣) فضلوا بالرزق وهم الموالي بجاعلي رزقهم من الأموال وغيرها شركةً بينهم وبين مماليكهم، بحيث يساوونهم في التصرف فيها، ويشاركونهم في تدبيرها.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.