للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والخلاصة: أنَّ الله جعلكم متفاوتين في الرزق، فرزقكم أكثر من ما رزق مماليككم، وهم بشر مثلكم وإخوانكم، فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم، وتتساووا وإياهم في الملبس والمطعم والمسكن، لكنكم لم ترضوا بهذه المساوة، مع أنهم أمثالكم في البشرية والمخلوقية لله عز وجل، فما بالكم تشركون باللهِ فيما لا يليق إلا به من الألوهية والمعبودية بعض عباده، بل أخس مخلوقاته، وهذا مثل ضربه سبحانه لبيان قبح ما فعله المشركون من عبادة الأصنام والأوثان تقريعًا لهم، وكانوا يقولون في التلبية: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك.

ونحو الآية قوله: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ}.

والهمزة في قوله: {أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} للاستفهام التوبيخي التقريعي المضمن للإنكار (١)، وداخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أبعد علمهم بأن الرازق هو الله تعالى يشركون به، فيجحدون نعمته، حيث يتخذون له شركاء، فإن الإشراك يقتضي أن يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم، ويجحدوا أنه من عند الله تعالى، أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بعد ما أنعم الله عليهم بإيضاحها، فالله تعالى يدعو عباده بهذه الآية إلى التوحيد، ونفي الشرك، حتى يتخلصوا من الشرك والظلمات، ويتشرفوا بالتوحيد والأنوار العاليات.

وقرأ الجمهور: {يَجحَدُونَ} بالياء على الغيبة، وقرأ أبو (٢) بكر عن عاصم وأبو عبد الرحمن والأعرج بخلاف عنه: {تجحدون} بالتاء على الخطاب، وقراءة الغيبة أولى لأنها ظاهر السّياق.

والمعنى على قراءة الخطاب: أنكم أيها المالكون لستم برادي رزقكم على مماليككم، بل أنا الذي أرزقكم وإياهم، فلا تظنوا أنكم تعطونهم شيئًا، وإنما هو رزقي أجريه على أيديكم، أنتم وهم جميعًا سواء لا مزية لكم على مماليككم.


(١) أبو السعود.
(٢) البحر المحيط.