للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جزاء لأمثالهم إلا هذا, فقال: {هَلْ يُجْزَوْنَ} والاستفهام للإنكار؛ أي: ما يجزى الذين كفروا من التابعين والمتبوعين، {إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ أي: إلا جزاء ما كانوا يعملون في الدنيا من الكفر والمعاصي، أو إلا بما كانوا يعملونه، على نزع الخافض، فلما قيدوا أنفسهم في الدنيا، ومنعوها من الإيمان بتسويلات الشيطان الجني والإنسي .. جُوزوا في الآخرة بالقيد؛ أي: وما يفعل ذلك بهم إلا جزاءً لما اجترحوا من الكفر والآثام. {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} وقد قالوا في أمثالهم: إنك لا تجني من الشوك العنب.

٣٤ - ولما قص الله سبحانه حال من تقدم من الكفار .. أتبعه بما فيه التسلية لرسوله، وبيان أنَّ كفر الأمم السابقة بمن أرسل إليهم من الرسل هو كائن مستمر في الأعصر الأول، فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا} وبعثنا، {فِي قَرْيَةٍ} من القرى، وبلدة من البلدان. قال في "كشف الأسرار": القرية: العصر تقري أهلها وتجمعهم. {مِنْ نَذِيرٍ}؛ أي: نبيًا ينذر أهلها ويحذرهم عقاب الله، وجملة قوله: {إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا} في محل النصب على الحال؛ أي: إلا قال رؤساء تلك القرية المتكبرون المتنعمون بالدنيا؛ أي: إلا قال رؤساؤها وأغنياؤها وجبابرتها وقادة الشر فيها لرسلهم: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ} على زعمكم من التوحيد والإيمان, {كَافِرُونَ}؛ أي: منكرون على مقابلة الجمع بالجمع، وهذه الآية جاءت لتسلية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: يا محمد (١) هذه سيرة أغنياء الأمم الماضية، فلا يهمنَّك أمر أكابر قومك، فتخصيص المتنعمين بالتكذيب مع اشتراك الكل فيه؛ إما لأنهم المتبوعون، أو لأنّ الداعي الأعظم إلى التكذيب والإنكار هو التنعم المستتبع للاستكبار.

ومعنى الآية (٢): أي وما بعثنا إلى أهل قرية نذيرًا ينذرهم بأسنا أن ينزل بهم على معصيتهم إيانا، إلا قال كبراؤها وأولوا النعمة والثروة فيها: إنا لا نؤمن بما بعثتم به من التوحيد والبراءة من الآلهة والأنداد، وليس في ذلك من عجيب، فإن المنغمسين في الشهوات يحملهم التكبر والتفاخر بزينة الحياة الدنيا على النفور من الكمال الروحي، ومن تثقيف النفوس بالإيمان والحكمة، فالضدان لا يجتمعان، انغماس في الشهوة، وعلم وحكمة وثروة مادية وثروة روحية.

٣٥ - ثم ذكر تفاخرهم بما


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.