والذباب، قال المشركون ما بال العنكبوت والذباب يذكران؟ فأنزل الله هذه الآية. وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن قال: لما نزلت {يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ} قال المشركون: ما هذا من الأمثال فيضرب؟ أو ما يشبه هذه الأمثال، فأنزل الله:{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ...} الآية. قلت: القول الأول أصحّ إسنادا، وأنسب بما تقدّم أوّل السورة، وذكر المشركين لا يلائم كون الآية مدنية. وما أوردناه عن قتادة والحسن حكاه عنهما الواحديّ بلا إسناد بلفظ (قالت اليهود)، وهو أنسب.
التفسير وأوجه القراءة
٢١ - {يا أَيُّهَا النَّاسُ}؛ أي: يا أيّها المكلّفون من الإنس والجنّ {اعْبُدُوا}؛ أي: وحّدوا، وأفردوا بالعبادة، والطاعة، والاستغاثة، والدعاء {رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ}؛ أي: خالقكم الذي ابتدع خلقكم على غير مثال سابق؛ لأنّه الذي يستحقّ العبادة منكم دون غيره من الأصنام، والأحجار، لأنّ تعليق الحكم بمشتقّ يؤذن بعليّة ما منه الاشتقاق، فكأنّه قال: اعبدوه لخلقه إيّاكم، فإنّه هو الذي يعبد دون غيره.
وهذه الآية (١) مسوقة لإثبات التوحيد، وتحقيق نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم - اللذين هما أصل الإيمان. والناس يصلح اسما للمؤمنين، والكافرين، والمنافقين. والنداء فائدته؛ تنبيه الغافلين، أو إحضار الغائبين، وتحريك الساكنين؛ وتعريف الجاهلين، وتفريغ المشغولين، وتوجيه المعرضين، وتهييج المحبّين، وتشويق المريدين.
قال بعضهم: أقبل عليهم بالخطاب جبرا؛ لما في العبادة من الكلفة بلذّة الخطاب؛ أي: يا مؤنس لا تنس أنسك بي قبل الولادة، أو يا ابن النسيان تنبّه، ولا تنس حيث كنت نسيا منسيا، ولم تك شيئا مذكورا، فخلقتك وخمرتك طينا،