الله به أن يوصل، والإفساد في الأرض، وجّه الخطاب إليهم في هاتين الآيتين.
وجاء به على طريق التوبيخ والتعجيب من صفة كفرهم، بذكر البراهين الداعية إلى الإيمان الصادّة عن الكفر، وهي النعم المتظاهرة الدالّة على قدرته تعالى، من مبدأ الخلق إلى منتهاه من إحيائهم بعد الإماتة، وتركيب صورهم من الذّرات المتناثرة، والنطف الحقيرة المهينة، وخلق ما في الأرض جميعا لهم؛ ليتمتعوا بجميع ما في ظاهرها وباطنها على فنون شتّى وطرق مختلفة، وخلق سبع سموات مزيّنة بمصابيح؛ ليهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر.
أفبعد هذا كله يكفرون به، وينكرون عليه أن يبعث فيهم رسولا منهم، يتلو عليهم آياته، ويضرب لهم الأمثال؛ ليهتدوا بها في إيضاح ما أشكل عليهم مما فيه أمر سعادتهم في دينهم ودنياهم.
أسباب النزول
قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي ...} الآية، سبب نزول هذه الآية:(١) ما أخرجه ابن جرير عن السدي بأسانيده، لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين، وهما قوله:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا} وقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ}، قال المنافقون: الله أعلى وأجلّ من أن يضرب هذه الأمثال، فأنزل الله {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} إلى قوله: {الْخاسِرُونَ}. وما أخرجه الواحدي من طريق عبد الغني بن سعيد الثقفيّ، عن موسى بن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:(إنّ الله ذكر آلهة المشركين، فقال:{وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئًا}، وذكر كيد الآلهة، فجعله كبيت العنكبوت، فقالوا: أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمدّ، أيّ شيء كان يصنع بهذا؟ فأنزل الله هذه الآية). وعبد الغني واه جدّا، وقال عبد الرزاق في «تفسيره»: أخبرنا معمر، عن قتادة: لمّا ذكر الله العنكبوت