للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذي برأكم على هذه الطبائع المختلفة، وابتلاكم بهذه الأديان المختلفة {أَعْلَمُ} منا ومنكم {بِمَنْ هُوَ أَهْدى} وأسدّ، وأصوب، وأوضح {سَبِيلًا}؛ أي: طريقًا، ودينًا فيؤتيه أجره موفورًا، وأعلم بمن هو أضل سبيلًا فيعاقبه بما يستحق؛ أي: يعلم المهتدي، والضال فيجازي كلاًّ بعمله؛ لأنه الخالق لكم، العالم بما جبلتم عليه من الطبائع، وما اختلفتم فيه من الطرائق، فهو الذي يميز بين المؤمن الذي لا يعرض عند النعمة، ولا ييأس عند المحنة، وبين الكافر الذي شأنه البطر للنعم، والقنوط عند النقم.

وفي الآية (١): إشارة إلى أن الأعمال دلائل الأحوال، فمن وجد نفسه في خير وطاعة وشكر، فليحمد الله تعالى كثيرًا، ومن وجدها في شر وفسق، وكفران، ويأس فليرجع قبل أن يخرج الأمر من يده.

وبمعنى الآية قوله سبحانه: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢)} ولا يخفى ما في هذه الآية من تهديد شديد، ووعيد للمشركين.

٨٥ - ولما أجرى الكلام في ذكر الإنسان وما جبل عليه، ذكر سبحانه سؤال السائلين لرسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - عن الروح فقال: {وَيَسْئَلُونَكَ}؛ أي: ويسألك اليهود يا محمد {عَنِ} حقيقة {الرُّوحِ} الذي يحيا به البدن، هل هو جسماني أو نوراني، أو عن صفته أقديم هو أم حادث؟.

قال الفراء: الروح الذي يعيش به الإنسان لم يخبر الله سبحانه به أحدًا من خلقه، ولن يعط علمه أحدًا من عباده، ولذا قال: {قُلِ} لهم يا محمد في جواب سؤالهم {الرُّوحِ} الذي هو سبب حياة البدن بنفخه فيه {مِنْ أَمْرِ رَبِّي}؛ أي: شأن من شؤونه تعالى، وفعل من أفعاله، أحدث بتكوينه وخلقه وإبداعه من غير مادة، وقد استأثر بعلمه، لا يعلمه إلا هو سبحانه؛ لأنكم لا تعلمون إلّا ما تراه حواسكم، وتتصرف فيه عقولكم، ولا تعلمون من المادة إلّا بعض أوصافها، كالألوان، والحركات للبصر، والأصوات للسمع، والطعوم للذوق،


(١) روح البيان.