للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٢٢ - ثم ضرب مثلًا يبين به الفارق بين حالي المشرك والموحد، جعل فيه المعقول بصورة المحسوس، ليكون أبين للحجة وأوضح لطريق المحجة؛ فقال: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} الهمزة للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار، والفاء (١) لترتيب ذلك على ما ظهر من سوء حالهم، وتقديم الهمزة عليها لفظًا إنما هو لملازمتها الصدارة، وأما بحسب المعنى .. فالأمر بالعكس حتى لو كان مكان الهمزة (هل) لقيل: فهل من يمشي مكبًا ... إلخ. والمكُبُّ: الساقط على وجهه، وهو حالٌ في فاعل {يَمْشِي}. ويقال في المعنى: الفاء فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت سوء حال المشركين وحسن حال المؤمنين، وأردت ضرب المثل لحال الفريقين؛ فأقول لك: من يمشي وهو يعثر في كلّ ساعة ويخر على وجهه في كلّ خطوةٍ لتوعر طريقه واختلال قواه {أَهْدَى} أي: أشدّ هداية ورشدًا إلى المقصد الذي يؤمه {أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا} أي: أهو أهدى أمن يمشي قائمًا سالمًا من الخبط والعثار {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: على طريق مستوي الأجزاء، لا عوج فيه ولا انحراف. أي: أيّهما أهدى هل الأوّل أم الثاني؟ فالجواب: الثاني هو المهتدي، والأوّل هو الضال. وقيل: المكب هو الذي يكب رأسه فلا ينظر يمينًا ولا شمالًا ولا أمامًا فهو لا يأمن العثور والانكباب على وجهه. وقيل: أراد به الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق فلا يزال مشيه ينكسه على وجهه. وقال قتادة: المكبّ هو الكافر أكب على معاصي الله في الدنيا، فحشره الله على وجهه إلى النار في العقبى، والمؤمن استقام على أمر الله في الدنيا فحشره الله على قدميه إلى الجنة في الآخرة.

والحاصل: أنه سبحانه شبه المؤمن (٢) في تمسّكه بالدين الحق ومشيه على منهاجه بمن يمشي في الطريق المعتدل الذي ليس فيه ما يتعثّر به، وشبه الكافر في ركوبه ومشيه على الدين الباطل بمن يمشي في الطريق الذي فيه حفر وارتفاع وانخفاض؛ فيتعثر ويسقط على وجهه، كلما تخلص من عثرة وقع في أخرى. فالمذكور في الآية هو المشبه به، والمشبه محذوف لدلالة السياق عليه. و {مَنْ} الثانية معطوفة على {مَنْ} الأولى؛ لأنّ {أم} هنا متصلة معادلة للهمزة؛ فيكون


(١) روح البيان.
(٢) الفتوحات.