فيه الخروج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب. وفي هذه الجملة إرشاد من الله تعالى لعباده المؤمنين بتذكيرهم بما يجب عليهم من حمده على نصر المرسلين المصلحين، وقطع دابر الظالمين المفسدين، وإيماء إلى وجوب ذكره في عاقبة كل أمر وخاتمة كل عمل، كما قال تعالى في وصف عباده المتقين:{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
٤٦ - {قُلْ} يا محمد لكفار مكة {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ}؛ أي: أخبروني إن أزال الله سمعكم وأبصاركم، فأصمكم وأعماكم، وطبع على قلوبكم، وأزال عقولكم حتى لا تعرفوا شيئًا، يعني: أذهب عنكم هذه الأعضاء أصلًا {مَنْ إِلَهٌ}؛ أي: أيُّ فرد من الآلهة الثابتة بزعمكم {غَيْرُ اللَّهِ} تعالى {يَأْتِيكُمْ بِهِ}؛ أي: بما أخذ عنكم من هذه الأعضاء ويردها لكم، والاستفهام فيه إنكاري؛ أي: ليس لكم إله يردها لكم، وإنما أفرد السمع وجمع ما بعده؛ لأن السمع مصدر لا يثنى ولا يجمع، بخلاف ما بعده. والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بك وبما جئت به من التوحيد والهدى: أخبروني ماذا يكون من أمركم مع آلهتكم الذين تدعونهم مع الله، وترجون شفاعتهم إن أصمكم الله تعالى، فذهب بسمعكم وأعماكم، فذهب بأبصاركم وختم على قلوبكم، وطبع عليها فأصبحتم لا تسمعون قولًا، ولا تبصرون طريقًا، ولا تعقلون نفعًا ولا ضرًّا، ولا تدركون حقًّا ولا باطلًا؛ {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} بما ذكر مما أخذه الله منكم؛ أي: لا إله غيره يقدر على إتيانكم بما سلب، ولو كان ما اتخذتم من دونه من الأنداد والأولياء آلهة لقدروا على ذلك، وإذا كنتم تعلمون أنهم لا يقدرون، فلماذا تدعونهم؟ وما الدعاء إلا عبادة، والعبادة لا تكون إلا للإله القادر. {انْظُرْ} يا محمد {كَيْفَ نُصَرِّفُ} لهم ونكرر عليهم {الْآيَاتِ} الدالة على وحدانيتنا، ونتابع عليهم الحجج، ونضرب لهم الأمثال والعبر، ونجعلها على وجوه شتى متغيرة من نوع إلى نوع آخر، فتارة بترتيب المقدمات العقلية، وتارة بطريق الترغيب والترهيب، وتارة بالتنبيه والتذكير بأحوال المتقدمين ليعتبروا ويتذكروا، فينيبوا ويرجعوا إلى ربهم، فكل واحد يقوي ما قبله في الإيصال إلى المطلوب {ثُمَّ هُمْ}؛ أي: كفار مكة بعد تصريف الآيات