للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأعمال الصالحة، التي تزكي نفوسهم وتهذب أرواحهم فخسروا السعادة فيها، وما كانوا مهتدين فيما اختاروه لأنفسهم، من إيثار الخسيس الزائل على النفيس الخالد.

٤٦ - {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ}؛ أي: وإن أريناك، يا محمَّد {بَعْضَ} العذاب {الذين نعدهم} به في الدنيا، فذاك الذي يستحقونه، وهم له أهل، وقد أراه ما نزل بهم من القحط والمجاعة، بدعائه، - صلى الله عليه وسلم -، ونصره عليهم نصرًا مؤزرًا، في أول معركة هاجمه بها رؤساؤهم، وصناديدهم، وهي غزوة بدر، فقتلهم وشردهم شر تقتيل وتشريد. وكذلك فعل بهم، - صلى الله عليه وسلم -، في غيرها من الغزوات، حتى فتح عاصمتهم، أم القرى، ودخل الناس في الدين أفواجا.

{أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أن نريك ذلك فيهم {فَإِلَيْنَا} لا إلى غيرنا {مَرْجِعُهُمْ} ومصيرهم في الآخرة {ثُمَّ} بعد رجوعهم إلى الله سبحانه وتعالى {اللَّهُ} سبحانه وتعالى {شَهِيدٌ}؛ أي: مشهد أعضاءهم وجوارحهم {عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} في الدنيا من الشرك والمعاصي، فمجازيهم عليه، ففعيل هنا، بمعنى: مفعل، أو المعنى: ثم بعد رجوعهم إلى الله سبحانه وتعالى شهيد؛ أي معاقب لهم على ما يفعلون في الدنيا. وعبارة "الفتوحات" هنا قوله: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} ثم هنا (١)، ليست للترتيب الزماني، بل هي لترتيب الأخبار، لا لترتيب القصص في نفسها. قال أبو البقاء: كقولك: زيد عالم، ثم هو كريم. وقال الزمخشري (٢): فإن قلت الله شهيد على ما يفعلون في الدارين، فما معنى ثم؟

قلتُ: ذكرت الشهادة، والمراد مقتضاها، ونتيجتها وهو العقاب، كأنه قيل: ثم الله معاقب لهم على ما يفعلون، اهـ "سمين" وإلا فهو تعالى شهيد على أفعالهم في الدنيا والآخرة. وفي "البحر": ويجوز (٣) أن يكون المعنى: أن الله تعالى مؤدِّ شهادته على أفعالهم يوم القيامة، حتى تنطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم


(١) الفتوحات.
(٢) الكشاف.
(٣) البحر المحيط.