وصفاته، ولانحراف مزاجهم، وحصول المرض في قلوبهم، كانوا يتنفّرون عند استماع ذكر الواحد الأحد، بالوحدانية، والحدة، ولا يجدون حلاوة التوحد، بل يجدون منه المرارة لسوء المزاج.
ومن هذا القبيل إكباب أهل الهوى في كل عصر على استماع الملاهي، والأخبار والأساطير، وقيل وقال، معرضين عن كلام الله الملك العليِّ الكبير، بل وأكثرهم لا يريد إلا المحادثة الدنيويَّة، والمذاكرة العرفيَّة والتعدي إلى أعراض الناس، والاتباع إلى ما يوسوس به الوسواس الخناس، والقدح في شأن أهل الحق الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، فيا مصيبةً ابتلي بها المسلمون عامّةً وخاصّةً من تتبع اليهود والنصارى، والمسابقة فيه، فإنّا لله وإنا إليه راجعون.
٤٩ - ولما فرغ سبحانه من حكاية شبه القوم في النُّبُوَّات حكى شبهتهم في أمر المعاد، فقال:{وَقالُوا}؛ أي: وقال الذين لا يؤمنون بالآخرة من مشركي مكة، وغيرهم على سبيل الإنكار، والاستبعاد، وقد نسوا بداية خلقهم من تراب، بل إنهم خلقوا من لا شيء كقوله تعالى:{خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا}؛ أي: قالوا: {أَإِذا كُنَّا}؛ أي: أنبعث ونعاد إذا كنّا {عِظامًا} في قبورنا، لم نتحطم ولم نتكسّر بعد مماتنا {وَ} كنّا {رُفاتًا}؛ أي: عظاما متكسّرة مدقوقة مفتتة {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} بعد مصيرنا فيها، وقد بلينا فتكسّرت عظامنا، وتقطعت أوصالنا؛ أي: أئنا لمخلوقون {خَلْقًا جَدِيدًا} كما كنا قبل الممات، نصب على المصدر من غير لفظه، أو على الحالية على أنّ الخلق بمعنى المخلوق.
وإذا في قوله (١): {أَإِذا} متمحضة للظرفية، وهو الأظهر، والعامل فيها: ما دل عليه مبعوثون لا نفسه، لأنّ ما بعد إن، والهمزة، واللام لا يعمل فيما قبلها، وهو نبعث، أو نعاد كما قدّرنا في الحلّ، وهو محل الاستفهام الإنكاري؛ أي: حياتنا بعد الموت محال منكرٌ لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم من التنافي،