الذين يتثاقلون عن ذلك، وعبر بالسرعة، ولم يعبر بالعجلة؛ لأن الأولى: التقدم فيما ينبغي تقديمه وهي محمودةٌ وضدها الإبطاء، والثانية: التقدم فيما لا ينبغي أن يتقدم فيه، ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام:"العجلة من الشيطان، والتأنِّي من الرحمن" وضدها الأناة، وهي محمودةٌ.
وذكر الثامن بقوله:{وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}؛ أي: وأولئك المصوفون بالصفات السبعة السابقة، هم من الذين صلحت أحوالهم، وحسنت أعمالهم؛ فرضيهم ربهم، وفي هذا رد على اليهود الذين قالوا فيمن أسلم منهم: ما آمن بمحمد إلا شرارنا، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره. والوصف بالصلاح: هو غاية المدح، ونهاية الشرف والفضل، فقد مدح الله به أكابر الأنبياء كإسماعيل وإدريس، وذي الكفل فقال:{وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ}. وقال حكاية عن سليمان:{وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} ولأنه ضد الفساد، الذي لا ينبغي في العقائد، والأفعال، فهو حصول ما ينبغي في كل منهما، وذلك منتهى الكمال ورفعة القدر وعلو الشأن.
١١٥ - {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وعبد الوارث عن أبي عمرو بالياء في الفعلين؛ لأن الكلام متصلٌ بما قبله من ذكر مؤمني أهل الكتاب؛ فإن جهال اليهود لما قالوا لعبد الله بن سلام وأصحابه: إنكم خسرتم بسبب هذا الإيمان .. قال تعالى:{وَمَا يَفْعَلُوا}؛ أي: عبد الله بن سلام وأصحابه {مِنْ خَيْرٍ} أي: إيمان وطاعة، وقيل: من إحسان إلى محمَّد وأصحابه {فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} أي: فلن يحرموا ثوابه بل يثابوا عليه، وهذه قراءة ابن عباس. وقرأ نافع، وابن عامر، وابن كثير، وأبو بكر بالتاء فيهما، على الخطاب لجميع المؤمنين الذين من جملتهم هؤلاء أي: وما تفعلوا معاشر المؤمنين من خير .. فلن تمنعوا ثوابه وجزاؤه بل تجازُوا عليه.
وهذه الجملة جاءت ردًّا على اليهود الذين قالوا لمن أسلم منهم: أنتم خسرتم بسبب هذا الإيمان، وإشارةً إلى أنهم فازوا بالسعادة العظمى، والدرجات العليا، وفيها تعظيمٌ لهم ليزيل من صدورهم أثر كلام أولئك الأوغاد.