خصبًا، فنخرج من الأرض حبًا يقتات به الناس كالحنطة والشعير، ونباتًا تقتات به الدواب، وحدائق ذات أغصان ملتفة.
وقد جمع الله سبحانه في هذه الآية جميع أنواع ما تنبته الأرض، فإن ما يخرج منها؛ إما أن يكون ذا ساق، أو لا، والأول: إذا اجتمع بعضه إلى بعض وكثر حتى التف .. فهو الحديقة، والثاني: إما أن يكون له أكمام فيها حب، وإما أن يكون بغير ذلك، وهو النبات.
وقدم الحب لأنه غذاء أشرف أنواع الحيوان، وهو الإنسان، وأعقبه بذكر النبات؛ لأنه غذاء بقية أنواع الحيوان، وأخر الحدائق؛ لأنه مما يستغني عنها الكثير من الناس.
قال ابن الشيخ: قدم ذا الحب؛ لأنه هو الأصل في الغذاء، وثنى بالنبات؛ لاحتياج سائر الحيوانات إليه، وأخرت الجنات لانعدام الحاجة الضرورية إلى الفواكه.
واعلم: أن فيما ذكر من أفعاله تعالى دلالةً على صحة البعث، وحقيته من وجوه ثلاثة:
الأول: باعتبار قدرته تعالى، فإن من قدر على إنشاء هذه الأفعال البديعة من غير مثال يحتذيه وقانون ينتحيه .. كان على الإعادة أقدر وأقوى.
والثاني: باعتبار علمه وحكمته، فإن من أباع هذه المصنوعات على نمط رائق مستتبع لغاية جليلة، ومنافع جميلة عائدة إلى الخلق، يستحيل أن يفنيها بالكلية، ولا يجعل لها عاقبة باقية.
والثالث: باعتبار نفس الفعل، فإن اليقظة بعد النوم أنموذج للبعث بعد الموت، يشاهدونها كل يوم، وكذا إخراج الحب والنبات من الأرض الميتة، يعاينونه كل حين، كأنه قيل: ألم نفعل هذه الأفعال الآفاقية والأنفسية الدالة بفنون الدلالات على حقية البعث الموجبة للإيمان به، فمالكم تخوضون فيه إنكارًا، وتتساءلون عنه استهزاءً؟
١٧ - ثم شرع في بيان ما يتساءلون عنه، فقال {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ}، أي: إن اليوم الذي يفصل الله سبحانه فيه بين الخلائق، وبين السعداء والأشقياء باعتبار تفاوت