للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٩٦ - {وَلَتَجِدَنَّهُمْ} من الوجدان العقليِّ وهو جار مجرى العلم، خلا أنّه مختصٌّ بما وقع بعد التجربة، ونحوها، واللام لام قسم؛ أي: وعزّتي وجلالي، لتجدنَّ يا محمد! اليهود {أَحْرَصَ النَّاسِ} أي: أشدَّ الناس حرصًا {عَلَى حَيَاةٍ}؛ أي: على بقاء في الدنيا، وأشدَّهم كراهية للموت، والتنكير (١) للنوع، وهي الحياة المخصوصة المتطاولة، وهي حياتهم التي هم فيها؛ لأنّها نوعٌ من مطلق الحياة. وقرأ أُبيٌّ: {على الحياة} بالتعريف، قال الزمخشريُّ: التنكير أبلغ من قراءة أُبيٍّ لعمومه، وقوله: {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} عطفٌ على ما قبله بحسب المعنى، المعنى: كأنّه قيل: أي: ولتجدنّهم أحرص من جميع الناس، وأحرص من الذين أشركوا؛ أي: وأحرص من مشركي العرب المنكرين للبعث على الحياة؛ لعلمهم بأنّ مصيرهم إلى النار دون المشركين؛ لإنكارهم له؛ أي: فهم أكره للموت من المشركين الذين لا يؤمنون بالبعث.

فإن قلت: الذين أشركوا قد دخلوا في الناس في قوله: {أَحْرَصَ النَّاسِ} ولمَ أفردهم بالذكر؟

قلت: أفردهم بالذكر؛ لشدَّة حرصهم على الحياة، وفيه توبيخٌ عظيم لليهود؛ لأنَّ الذين أشركوا لا يؤمنون بالمعاد، ولا بالمجازاة، ولا يعرفون إلّا الحياة الدنيا، فلا يستبعد حرصهم عليها؛ لأنّها جنّتهم، فإذا زاد عليهم في الحرص من له كتابٌ، وهو مقرٌّ بالبعث والجزاء، كان حقيقًا بالتوبيخ العظيم.

فإن قلت: لِمَ زاد حرصهم على حرص المشركين؟

قلت: لأنّهم علموا لعلمهم بحالهم أنّهم صائرون إلى النار لا محالة، والمشركون لا يعلمون ذلك. وقيل: إنّ الواو في قوله: {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} استئنافية، تقديره: ومن الذين أشركوا أُناسٌ يودُّون تعميرهم ألف سنة، أو أُناسٌ


(١) روح البيان.
(٢) الخازن.