للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أبدًا اسم لجميع مستقبل الزمان، كقطُّ لماضيه، وفيه (١) دليلٌ على أنَّ (لن) ليس للتأبيد؛ لأنّهم يتمنَّون الموت في الآخرة، ولا يتمنَّوه في الدنيا؛ أي: لن يسألوا الموت، ولن يطمعوا فيه أبدًا ما عاشوا {بـ} سبب {ما قدمتـ} ـه وعملته واجترحته {أَيْدِيهِمْ} من المعاصي الموجبة لدخول النار، كالكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وبالقرآن الذي أنزل عليه، وتحريف نعت محمد - صلى الله عليه وسلم - المذكور في التوراة؛ لأنّهم عرفوا أنهم كفرةً، ولا نصيب لهم في الجنّة.

فإن قلت: لِمَ قال هنا (لن) وفي الجمعة (لا)؟

قلت: لأنَّ (لن) أبلغ في النفي من (لا) حتى قيل: إنّها لتأبيد النفي، ودعواهم في (البقرة) بالغةٌ قاطعةٌ، وهي كون الجنة لهم بصفة الخلوص، فناسب ذكر (لن) فيها، ودعواهم في الجمعة قاصرةٌ مردودة، وهي زعمهم أنّهم أولياء لله، فناسب ذكر (لا) فيها. انتهى من "فتح الرحمن".

والمعنى: أي ولن يقع منهم هذا التمنِّي بحالٍ؛ لأنّهم يعرفون ما اجترحته أنفسهم من المعاصي، والذنوب التي يستحقون بها العقوبة، كتحريف التوراة وتبديلها، وتكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم - مع البشارة به في كتابهم.

وخصَّ الأيدي بالذكر (٢)؛ لأنّ الأعمال غالبًا تكون بها، وهي من بين جوارح الإنسان مناط عامَّة صنائعه، ومدار أكثر منافعه، ولذا عبَّر بها تارةً عن النفس، والشخص، كما هنا، والأخرى عن القدرة {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}؛ أي: بالكافرين من اليهود، والنصارى، وغيرهم؛ أي: محيط علمه بهم، وبما صدر عنهم، وسيجازيهم عليه، ففيه معنى التهديد، والتخويف لهم، وإنّما (٣) خصَّهم بالظلم؛ لأنّه أعمّ من الكفر عمومًا وخصوصًا مطلقًا؛ لأنّ كلَّ كافر ظالم، وليس كل ظالم كافرًا، فلهذا كان أعم، وكانوا أولى به.


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) الخازن.