للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبعضهم رجع في ذلك اليوم، واجتمعوا على الجبل.

١٥٦ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لمَّا بين فيما سبق لعباده المؤمنين أن الهزيمة التي حلَّت بهم يوم أحد، كانت بوسواسٍ من الشيطان استزلهم به، فزلوا، حذرهم هنا من مثل هذه الوسوسة التي أفسد بها الشيطان قلوب الكافرين، فقال: يا أيها الذين آمنوا، وصدقوا بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - لا تكونوا كالمنافقين الذين كفروا في نفس الأمر، كعبد الله بن أبي وأصحابه، وقالوا في شأن إخوانهم وأصدقائهم في النفاق {إِذَا ضَرَبُوا} وسافروا {فِي} نواحي {الْأَرْضِ} للتجارة، والكسب فماتوا {أَوْ كَانُوا غُزًّى}؛ أي: غزاةً في وطنهم، أو في بلاد أخرى فقتلوا {لَوْ كَانُوا} مقيمين {عِنْدَنَا} في المدينة {مَا مَاتُوا} في سفرهم، {وَمَا قُتِلُوا} في غزواتهم لما تقدم من قول المنافقين (١) {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} وأخبر الله عنهم أنهم قالوا {لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}، وكان قولًا باطلًا، واعتقادًا فاسدًا نهى الله تعالى المؤمنين أن يكونوا مثلهم في هذه المقالة الفاسدة، والاعتقاد السيء، وهو أن من سافر في تجارة ونحوها، فمات، أو قاتل، فقتل، لو قعد في بيته لعاش، ولم يمت في ذلك الوقت الذي عرض نفسه للسفر فيه أو للقتال، وهو معتقدُ الكفار والمنافقين.

والمراد (٢) بالأخوة هنا: أخوة النسب؛ إذ كان قتلى أحدٍ من الأنصار، وأكثرهم من الخزرج، ولم يقتل من المهاجرين إلا أربعةٌ، وقيل: خمسةٌ، ويكون القائلون منافقي الأنصار جمعهم أب قريبٌ أو بعيدٌ، أو المراد أخوة المعتقد، والنفاق كما مر.

وقرأ الجمهور {غُزًّى} بتشديد الزاي، وقرأ الحسن والزهري بتخفيف الزاي، ووجه على حذف أحد المضعفين تخفيًّا، وعلى حذف التاء، والمراد غزاةً.


(١) البحر المحيط ج ٣ ص ٩٢.
(٢) البحر ج ٣ ص ٩٢.