من الأرض الميتة، بعد إحيائه إياها، بماء المطر النازل عليها من السماء، كما قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ}.
{وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}؛ أي: ومن يتولى تدبير أمر الخليقة جميعًا، بما أودعه في كل منها من السنن، وقدره من النظام، وهذا السؤال الخامس أعم من كل من الأربعة قبله، فهو من ذكر العام بعد الخاص. {فَسَيَقُولُونَ} في جواب هذه الأسئلة الخمسة بلا تباطؤ ولا تجاحد هو {اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: فسيجيبون عن هذه الأسئلة الخمسة، بأن فاعل ذلك كله هو الله سبحانه وتعالى رب العالم كله ومليكه، إذ لا جواب غيره، وهم لا يجحدون ذلك ولا ينكرونه. والهمزة في قوله:{فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} للاستفهام التوبيخي، المضمن للإنكار، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، تقديره؛ فقل: لهم يا محمَّد، عند ذلك تبكيتًا لهم ووعظًا وتذكيرًا لهم، أتعلمون ذلك فلا تتقون سخطه وعقابه لكم، بشرككم وعبادتكم لغيره، ممن لا يملك لكم ضرًّا ولا نفعًا
٣٢ - {فَذَلِكُمُ} المتصف بكل تلك الصفات السالفة هو {اللَّهُ}؛ أي: المعبود بحق {رَبُّكُمُ}؛ أي: المربي لكم بنعمه والمدبر لأموركم {الْحَقُّ}؛ أي: الثابت بذاته الحي المحيي لغيره المستحق للعبادة دون سواه. والاستفهام في قوله:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} للإنكار التوبيخي، بدليل ذكر إلا الإيجابية بعده؛ أي: فماذا بعد الرب الحق، الثابتة ربوبيته إلا الضلال؛ أي: الباطل الضائع المضمحل، فالذي يفعل تلك الأمور هو الرب الحق، وعبادته وحده هي الهدى، وما سواها من عبادة الشركاء والوسائط ضلال، وكل من يعبد غيره معه فهو مشرك مبطل ضال؛ أي: فإذا ثبت أن عبادة الله حق، ثبت أن عبادة غيره من الأصنام ضلالٌ محض، إِذ لا واسطة بينهما. {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}؛ أي: فكيف تتحولون عن الحق إلى الباطل، وعن الهدى إلى الضلال، مع علمكم بما كان الله به هو الرب الحق، فما بالكم تقرون بتوحيد الربوبية دون توحيد الألوهية، فتتخذون مع الله آلهة أخرى؛ أي: فكيف تمالون من التوحيد إلى الإشراك، وعبادة الأصنام مع علمكم ذلك؟ فالاستفهام فيه، للتعجيب والابتعاد والإنكار.